قمة بغداد.. الاقتصاد أولاً

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

جدد اجتماع وزراء خارجية كل من العراق ومصر والأردن في بغداد الاثنين الماضى الأمل فى انعقاد لقاء القمة بين زعماء الدول العربية الثلاث فى وقت قريب، وهو اللقاء الذي كان مقرراً انعقاده فى العاصمة العراقية السبت 27 مارس/ آذار الفائت وتأجل بسبب انشغال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى بحادثة اصطدام قطاري سوهاج (جنوب مصر) التي تزامنت مع أزمة جنوح السفينة «إيفر جيفن» البنمية وأوقفت الملاحة في قناة السويس، فقد أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري عقب هذا اللقاء الوزراي أن بلاده «تتطلع إلى عقد القمة الثلاثية في بغداد بأقرب وقت».

 وعلى الرغم من كل الوضوح الذي تحدث به الوزراء حول أجندة هذه القمة إلا أن قدراً من الغموض أخذ يحيط بها قبل انعقادها بسبب ما يحرص عليه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من إطلاق مسميات سياسية لما يمكن أن تؤول إليه تلك الآلية المعتمدة للقاءات القمة بين الزعماء الثلاثة التي بلغت حتى الآن ثلاثة لقاءات، حيث عقدت قمتان عام 2019 وقمة ثالثة عام 2020 انتظاراً للقمة الرابعة المرتقبة.

 في البداية كان رئيس الوزراء العراقي يتحدث عن «الشام الجديد» كمسمى لتجمع مأمول بين العراق ومصر والأردن. جاء ذلك عقب عودة الكاظمي من واشنطن في يوليو / تموز الماضي حيث شارك في اجتماعات الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لمثل هذا التجمع، الذي لقي ترحيباً أمريكياً وقتها، وهل يكن أن يكون بتوجيهات أمريكية كبديل لتأمين المصالح الأمريكية في العراق إذا أسفر الحوار الاستراتيجي مع بغداد عن خروج كامل للقوات الأمريكية استجابة للقرار الصادر بذلك عن البرلمان العراقي، وزاد الالتباس بوجود سوريا وهي «الشام» خارج إطار هذا التجمع وكيف يكون «تجمعاً شامياً» من دون سوريا؟

 وتوالت الأسئلة التى تشكك فى النوايا، لذلك فإن تغيير المسمى من جانب رئيس الوزراء العراقي إلى «المشرق الجديد» ربما يكون قد قلّص الاستنكارات، لكنه لم يغير كثيراً من التخوفات التي يمكن أن تقود هذا التجمع الذي لم يولد بعد للتورط في استقطابات سياسية.

 إذا أضفنا إلى ذلك واقع أن حكومة الكاظمي هي «حكومة انتقالية» أهم وظائفها هو إجراء الانتخابات البرلمانية التي من المقرر ان تجري هذا العام لأدركنا أن العراق غير مؤهل للانخراط في تجمعات سياسية أياً كانت المسميات، لأن البيئة السياسية الداخلية، ناهيك عن البيئة الإقليمية المجاورة سواء كانت إيرانية أم تركية أو حتى عربية قد لا تعطي للعراق مثل هذه الفرصة، لذلك لم تقدم أياً من القاهرة وعمان أية مقاربة حول مستقبل تلك القمم الثلاثية وخاصة حول الإسم الذى يمكن أن تؤول إليه هذه الآلية الوليدة. ويبدو أن المعنى قد وصل إلى القيادة العراقية، لذلك كان رئيس الحكومة العراقية حريصاً يوم الجمعة الفائت أن يوضح أمام جمع من الصحفيين قبيل ساعات قليلة من موعد انعقاد القمة الرابعة التي جرى تأجيلها للظروف المصرية أن «طموح الدول الثلاث يتركز حول التأسيس لتكامل اقتصادي وتعزيز المصالح المشتركة بين هذه الدول، وتجنب الانخراط في المسائل السياسية التي تؤدى عادة إلى التنازع والصراع»، لكنه لم يخف الطموح إلى جعل هذا التوجه «البداية أو النواة لمشروع كبير»، مؤكداً أن «الدول الثلاث تملك عناصر النجاح التي تتراوح ما بين الجغرافيا والثروات والعنصر البشري»، ومؤكداً أيضاً أن «المصالح الاقتصادية هي العنصر الرئيسي في استراتيجية التعاون»، مشيراً إلى أن «السياسة أدخلتنا في دوامات لسنين طويلة».

 بهذا المعنى يمكن القول، إن الهدف من لقاءات القمم الثلاثية العراقية – المصرية – الأردنية هو التعاون الذي يتجاوز التنسيق على أمل الارتقاء إلى مستوى التكامل الذي قد يقود إلى اندماج تكون السياسة أبرز مكوناته، لكن هذا لا ينفي أن أولوية السعى نحو التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث يمكن أن تتسع مستقبلاً لتضم دولاً عربية أخرى، ولا يمكن أن تلغي تماماً انخراط الدول الثلاث في تنسيق سياسي لمواجهة مخاطر وتهديدات وأزمات تخص الشأن العربي العام، أو تخص الدول الثلاث على نحو ما ورد على لسان وزراء الخارجية للدول الثلاث في لقائهم ببغداد يوم الاثنين الماضى، وهذه كلها مجالات تؤمن الاستمرارية للتأسيس لنواة تعاون قائم على تعظيم المصالح ودرء المخاطر في حالة من التعثر غير المسبوق للنظام العربي والعمل العربي المشترك رغم فداحة المخاطر والتهديدات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"