عادي

متعاف من المخدرات لـ«الخليج»: «الوطني للتأهيل» أعادني مجدداً والداً حقيقياً لأبنائي

19:43 مساء
قراءة 5 دقائق
المخدرات تنهي حياة المدمن صحياً واجتماعياً
المركز الوطني للتأهيل في ابوظبي
إدمان المخدرات أقصر طريق للموت
المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي

أبوظبي: رانيا الغزاوي
تبدأ دائماً رحلة الإدمان بدافع الفضول وحب التجربة، بجانب تصوير رفاق السوء للشخص أن المخدرات مصدر للسعادة، وما إن يقع الشخص في براثنها حتى يكتشف الكذبة الكبرى، وتتدهور علاقاته بكل المحيطين به، ويحيل حياتهم جحيماً، إذ يكون كل هدفه التعاطي والإحساس للحظات بنشوة المخدرات، لكنه يقع في الفخ ويدمر نفسه، ومن حوله.
هذا ما حدث بالفعل مع (أ.خ. م.)، أحد المتعافين من الإدمان الذي أنهى علاجه بفضل المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، حيث لم يفق من تخبطه إلا عندما حكم عليه بالسجن بسبب المخدرات، ليقرر، بموافقة الأهل، اللجوء إلى المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، الذي دخله بداية إرضاء لزوجته، ظناً منه أنها فترة يعود بعدها ليواصل التعاطي، لكن ما إن دخل المركز حتى اختلفت النظرة تماماً، وشيئاً فشيئاً بدأ يستجيب للعلاج، ليمر بكل مراحله، حتى النفسية منها، ويتغلب عليها بنجاح، ليعود إلى حياته وأهله وأبنائه الأربعة، الذين وعدهم بتعويضهم عن كل ما مضى من مآس.
حب الفضول
وروى (أ.خ.م) في مقابلة لـ«الخليج»، عبر برنامج «زووم» قصة إدمانه، حيث أدمن تعاطي الهيروين والأفيون والحبوب والحشيش وهو في الثانية والعشرين من عمره، فقد كانت البداية من باب التجربة والتسلية والفضول، فقد كان يسمع أن الحشيش والمخدرات تمنح شعوراً غريباً، وتشعر الشخص بالسعادة، كما أن إصرار أصدقائه على التجربة شجعه أكثر، ولم يفكر في العواقب التي ستواجهه، أو ماذا سيحصل إذا دخل في هذا العالم، ولم يكن يحسب أن الدخول في هذا العالم كارثة ودمار، فقد كان هدفه الوحيد التجربة والتسلية، الذي كلفه سنوات عدة من عمره.
ضغوط نفسية
وأضاف: «تعرضت للكثير من الضغوط النفسية بسبب الإدمان، فأنا إنسان متزوج ولديّ 4 أبناء، حيث حصلت لي عدة اضطرابات نفسية، فأصبحت شخصاً عصبياً وعدوانياً، ولا أستطيع السيطرة على تصرفاتي، أو التحكم في سلوكاتي مع زوجتي وأبنائي الذين كانوا يخافون مني، ونتيجة تأثيرات المخدر كنت أقوم بضربهم، ولم تكن علاقتي بهم كعلاقة أي رب أسرة بعائلته، فلم أكن أهتم بهم، وكان أكثر شيء يهمني ويسيطر على تفكيري هو ماذا سأتعاطى اليوم، وأي مادة سأتعاطاها، ومع من سأتعاطى.. ولم أكن أفكر في أي شيء يخص حياتي، وعملي، وأهلي، وأسرتي، بل كانت علاقتي بأبنائي تزداد سوءاً كل يوم عن اليوم الذي قبله، ومررت بفترات لم تكن لدي إمكانات مادية لأشتري المواد المخدرة، فكنت أصب كل جنوني وغضبي على أبنائي وزوجتي، لدرجة كانت تأتيني أفكار عدوانية بأن ألحق الأذى بأبنائي، وذات الأيام أردت أن ألقي أحدهم من النافذة، ولولا تدخل زوجتي لكنت ارتكبت جريمة وذنباً لم أكن لأسامح نفسي عليه طول العمر.. كنت دائماً ما أجعلهم في توتر وقلق وحالة استنفار وطوارئ».
وتابع قائلا: «كان ينتابني إحساس بالسعادة وقت التعاطي، لكن بعد فترة بدأت الأمور تأخذ مجرى آخر، وبدأت العوارض النفسية والجسدية تظهر عليّ، إضافة إلى السلوكات السيئة والتصرفات العدوانية التي أخذت تظهر يوماً بعد يوم.. لقد كان دخولي إلى هذا الجحيم وتفاصيله اليومية هو المعاناة بحد ذاته، كنت أريد ترك التعاطي ولكن كنت لا أستطيع، فلم تكن لدي العزيمة والشجاعة على التوقف وقول (كفى)، كنت أرى نظرة الخوف والحزن في عيون أبنائي، ولم أستطع فعل شيء لهم، فقد كان الإدمان يسيطر عليّ، ولم أكن أستطيع التحكم في نفسي، إضافة للحوادث والسرقات والسلوكات غير السوية التي كنت أقوم بها، وكنت اندم على فعلتها يوماً تلو الآخر، حيث ألحقت الضرر بصحتي وجسدي وآذيت أبنائي وأهلي وأهملتهم، وكنت مصدر حزن وتعاسة لهم».
التفكير في العلاج
وعن التفكير في العلاج والتخلص من حياة الإدمان قال: «حاولت البحث عن علاج مرات عدة، لكن محاولاتي باءت بالفشل، فقد ذهبت أكثر من مرة إلى مراكز للعلاج ولكني لم أستمر، حيث كنت أذهب بعد مشاجرات بيني وبين زوجتي حتى أرضيها، أو لتقليل الخلافات، ثم أنقطع عن الذهاب، لكن عندما حكم عليّ بالسجن في قضية، كانت لي وقفة مع نفسي، فتوضأت وصليت ونويت التعافي والعلاج وبدء حياة جديدة بعيدة عن الإدمان، ولجأت إلى المركز الوطني للتأهيل، بعد مبادرة من الأهل وتشجيعهم لي على العلاج في المركز، ووافقت في البداية من دون اقتناع كامل، لأنني كنت أفكر في إرضاء عائلتي فقط، وأن المركز سيعطيني دواءً وسأقضي فترة بسيطة وأخرج، وأعود إلى التعاطي، كان هذا ما يدور في رأسي، لكن بعد دخولي المركز اختلف تفكيري كلياً».
وأكد (أ.خ.م) أن المركز الوطني للتأهيل، قدم له جميع الخدمات العلاجية والصحية والوقائية التي احتاج إليها.. كان يخضع للتحاليل والفحوص والأشراف الطبي بشكل دوري ودائم، ما يعكس الاهتمام الكبير من العاملين بالمركز على الحالات التي يتم استقبالها، مشيراً إلى أن العلاج في المركز يمر في مراحل تختلف من مدمن إلى آخر، وأكثر ما كان يعانيه خلال علاجه، هو العوارض الانسحابية، حيث كان يشعر بآلام المختلفة كالصداع، والقيء، وآلام في العضلات، والأرق، وبدأ كل هذا يخف بشكل تدريجي حتى انتهى تماماً، كما كان للمختصين النفسيين والاجتماعيين بالمركز دوراً كبيراً في الدعم النفسي عبر المحاضرات التوعوية، والنصائح التي تمنحنا الراحة النفسية للتعبير عما بداخلنا، واستشارتهم، في حال وجود أي مشكلة، إضافة إلى عمل حلقات نقاش ومجموعات يتحدث فيها كل شخص عن تجربته الخاصة، كل ذلك كان يزيد الثقة بالنفس، ويكسب الخبرة والثقافة بفضل المركز والعاملين فيه.
حياة جديدة
ووصف (أ.خ.م) حياته قبل دخول المركز وبعده قائلاً: «قبل دخول المركز كانت حياتي مملوءة بالمآسي والظلام، أما بعد ذلك فتغيرت حياتي كلياً، وتحولت إلى إنسان آخر مملوء بالراحة والسعادة والفرح، فمن أول يوم دخلت فيه المركز، أحطت بكل الدعم النفسي والمعنوي، ومن واقع تجربتي تعلمت درساً قوياً دفعني لحماية أسرتي من الإدمان، بالتوعية الدائمة وملء أوقات فراغهم بأشياء مفيدة، وهوايات يحبونها، والتقرب منهم والجلوس معهم دائماً، وإشباعهم عاطفياً، وإعطائهم الوقت الكافي وسماعهم، فالأبناء بحاجة إلى الوقت، ودعمهم في المنزل والتعرف إلى أصدقائهم، واليوم أكملت عامين ونصف العام في التعافي، وأنا فخور جداً بنفسي، وأشعر بسعادة غامرة بعد عودتي لأبنائي مجدداً والداً حقيقياً، وكان الفضل للمركز الوطني للتأهيل، كما عادت حياتي الاجتماعية كما كانت، فأصبح المقربون يتواصلون معي ويتصلون للاطمئنان علي ويستشيرونني في مواضيع مختلفة تشجعني وتدعمني.. من قلبي أشكر العاملين في المركز على كل الدعم والجهود التي بذلوها في حقنا، وكل التقدير والاحترام للأطباء والإداريين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين فيه، كما أعتذر عن كل شخص أخطأت في حقه، خصوصاً عائلتي، وأبنائي، وأعدهم بأن أبقى بقربهم لأعوّضهم عما مضى».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"