تهديد صريح لصناعة النفط الأمريكية

23:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

وزيرة الطاقة الأمريكية الجديدة، في إدارة الرئيس جو بايدن، جينيفر غرانهولم، أطلقت تصريحاً، هو بمثابة قرع جرس إنذار، أقرب للتهديد منه إلى النصح.. تصريحاً موجهاً لأرباب صناعة النفط في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي مؤتمر CERAWeek السنوي للطاقة الذي تنظمه شركة المعلومات والرؤى المستقبلية «إتش آي إس ماركيت» في هيوستن (تكساس)، خاطبت الوزيرة، بكلمات لا لبس فيها، أرباب صناعة النفط الأمريكية يوم الأربعاء 8 مارس 2021، بالقول: «لن أتطرق إلى مدى صعوبة التحولات»، في إشارة منها إلى الانتقال للطاقة النظيفة الذي يمثل إحدى الركائز الأساسية لأجندة الرئيس جو بايدن، والتغييرات التي أحدثتها فور تسلمها زمان سلطة البيت الأبيض، والتي أسهمت فيها الوزيرة بنفسها، ما اعتبرته لوبيات المناخ في العالم، خطوات إيجابية من جانب الإدارة الرئاسية الجديدة في التعامل مع قضايا تغير المناخ، وهو ما يشي بأن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع بقية العالم على أساس التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء. بالمقابل، كان لابد أن تثير مثل هذه المواقف الصارمة/الصادمة بحق صناعة النفط، لاسيما صناعة النفط والغاز الصخري الضخمة في الولايات المتحدة، موجة من القلق في أنحاء كثيرة من البلاد التي تعتمد على الوقود الأحفوري للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها. فرسالة الوزيرة واضحة: «تكيفوا أو تلاشوا». هكذا فهم الإعلام البترولي في واشنطن هذه الرسالة.

والواقع أن لهذا القلق ما يبرره. فقد جربت صناعة النفط الصخري بالفعل مرارة طعم انهيار سعر برميل خام غرب تكساس يوم 20 إبريل 2020، إلى أدنى مستوياته التاريخية، حيث كانت آثاره مدمرة على جميع شركات النفط الأمريكية العاملة في حوض بيرميان، وعلى جميع المدن الصغيرة التي تعتمد على استقرار سعر نفط منطقتها. والآن، حين لاحت أخيراً فرصة جديدة للتعافي بارتفاع سعر برميل النفط الذي أعاد بث الروح من جديد في صناعة النفط الصخري الأمريكية، إذا بها تصطدم بهذه اللغة الخشنة من وزيرة الطاقة الأمريكية الجديدة التي فُهم مفاد رسالتها، وهو أن إدارة بايدن سوف تتخلى تدريجياً عن صناعة النفط والغاز.

الوزيرة الأمريكية الجديدة، ذات الأصول السويدية التي قدمت عائلتها للولايات المتحدة من كندا حين كان عمرها خمس سنوات، تسخر من تلك الافتراضات، وتعتبرها آراء قصيرة النظر. هي، على نقيض ذلك تقول، إن شركات النفط والغاز يجب أن تقفز على واقعها الحالي، وأن تقتنص فرصة النمو والابتكار للبقاء على صلة بالاقتصاد العالمي الجديد الخالي من الكربون. وتضيف، بأن إدارة بايدن لن تترك عمال صناعة النفط والغاز وراءها، كما يذهب تفكير القائمين على إدارة صناعة النفط والغاز الأمريكيين النمطيين. ومن وجهة نظرها، فإن «المحصلة النهائية هي أن نمو الطاقة النظيفة، وتقليل انبعاثات الكربون، يوفران فرصة كبيرة، وأنا أمد يد الشراكة».

الوزيرة الأمريكية تنطلق في وجهة نظرها هذه، من حقيقة أن قادة العالم أصبحوا أكثر جدية بشأن طريقة التعامل مع ظاهرة وقضايا تغير المناخ، ومع الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. هذا الواقع الذي تؤكده البيانات التي جمعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، الهيئة الاستشارية الرئيسية الرسمية في العالم المعنية بقضايا تغير المناخ، والتي تذهب إلى أنه لم يتبق لدى البشرية سوى عقد واحد لتغيير المسار وتجنب أسوأ آثار لتغير المناخ في التاريخ. وإننا نقع في الوقت الحالي في مسار تصادمي، لكن هنالك بارقة أمل في أن قادة العالم وكذلك رؤساء شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بدأوا عملية اصطفاف مسؤولة لتغيير هذا الواقع.

تشعر الولايات المتحدة بأنها متخلفة عن بقية العالم المتقدم والصاعد فيما يخص عملية التحول التي قصدتها وزيرة الطاقة الأمريكية. في أوروبا مثلاً، بدأت شركات النفط الكبرى بالفعل مرحلة تحولها لتصبح شركات كبرى للطاقة. الصين بدورها، أصبحت منخرطة بصورة كبيرة في مبادرات وخطط لتقليص بصمتها الكربونية. لكن قناعة بدأت تتعزز لدى العديد من أوساط الصناعة النفطية العالمية، بأن ذروة النفط قد حلت بالفعل؛ وإنه لذلك يتعين مجاراة اتجاهات الاستثمار البيئي، والاجتماعي، والحوكمة، السائدة حالياً في الفكر والممارسة العالميين.

ومع ذلك، سيكون من السذاجة والتضليل، الإيحاء بأن العالم لم يعد بحاجة إلى الوقود الأحفوري. إنه يحتاج إليه ويعمل به، وسيستمر في ذلك لسنوات مقبلة. فالنفط مازال يتصدر قائمة السلع الأكثر تداولاً في بورصات السلع المستقبلية، تليه القهوة، والغاز الطبيعي، والذهب.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"