عادي

سوريا في مواجهة كارثة إنسانية كبرى

23:32 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور *

بلغ تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا حداً جعل الأمم المتحدة تحذر من تفاقم «الأوضاع الكارثية» خاصة مع تفشي وباء كورونا، والنقص الفادح في الأدوية ومستلزمات الكشف والوقاية والعلاج، ومع النقص الحاد في السلع الغذائية لدرجة أن 60% (ستين في المئة) من السكان لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية، حسبما تقرير أممي مقدم إلى المؤتمر الخامس لدعم اللاجئين والنازحين السوريين، الذي شهدته العاصمة البلجيكية بروكسل (29-20 مارس المنقضي).. برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

.. نعم إلى هذا الحد وصلت الكارثة الإنسانية في سوريا.

 عشر سنوات من الحرب الضارية ألحقت دماراً شاملاً بالقطاعات الإنتاجية والبني التحتية، والأحياء السكنية في المدن والبلدات والقرى، وأجبرت (6.5 مليون نسمة) من السوريين على اللجوء إلى خارج البلاد، ومثلهم على النزوح إلى مناطق أخرى داخل البلاد، أي أن أكثر من نصف سكان سوريا (25 مليوناً) فقدوا بيوتهم، وتحولوا إلى لاجئين أو نازحين، الأمر الذي خلق واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

وبلغت خسائر الاقتصاد السوري (442 مليار دولار) خلال ثماني سنوات من الحرب (2010-2019) حسب تقرير لجنة غرب آسيا للأمم المتحدة (الأسكوا). وبحسبة بسيطة فإن الخسائر تكون قد بلغت هذا العام ما يتراوح بين (550 – 600 مليار دولار)، وهي خسائر تفوق قدرة الاقتصاد السوري على الاحتمال بكل تأكيد.

 بين المطرقة والسندان

 العقوبات الاقتصادية الغربية على سوريا وصلت إلى ما يشبه الحصار الاقتصادي الشامل، وحدّت كثيراً من قدرة البلاد على استيراد الاحتياجات من مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار والوقود، وصولاً إلى السلع الغذائية والأدوية.

 إلا أن «قانون قيصر» الأمريكي الذي بدأ تطبيقه منذ يونيو(حزيران) 2020 جاء ليحكم الحصار على سوريا بصورة خانقة، لأنه وسع دوائر العقوبات من ناحية، وفرض عقوبات مشددة على الدول والشركات المتعاملة مع سوريا من ناحية أخرى، وهو ما أدى إلى تدهور متزايد للأوضاع الاقتصادية والإمدادات السلع الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات، وكذلك إلى تقلص حاد في موارد البلاد من العملات الأجنبية، نتيجة للقيود المصرفية التي يفرضها القانون، مما أدى إلى تدهور شديد في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار والعملات الصعبة.

 ومن ناحية أخرى فإن القوات الأمريكية الموجودة شرق البلاد ساعدت قوات «قسد» على إحكام قبضتها على حقول النفط والغاز في محافظتي «الحسكة» و«دير الزور» ليستمر حرمان سوريا من الجزء الأكبر من إنتاجها النفطي، الذي يستغله الأكراد بالتعاون مع شركة أمريكية، ويتم تصديره للخارج.

 كما تقوم قوات «قسد» والمنظمات الإرهابية في منطقة شرق الفرات – المركز الرئيسي لإنتاج الحبوب في البلاد - بإحراق حقول القمح التي يزرعها الفلاحون العرب السوريون، وكذلك صوامع الحبوب لمنع نقل القمح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أو منع الشاحنات المحملة بالقمح والحبوب وغيرها من الحاصلات الزراعية، بدعوى «منع نظام الأسد من الحصول على القمح والسلع الغذائية»، وهو ما يؤدي إلى خلق مزيد من الصعوبات أمام المواطنين السوريين في الحصول على احتياجاتهم من السلع الغذائية بما فيه الخبز، ما جعل تقريراً رسمياً مقدماً لمؤتمر بروكسل يتحدث عن غياب الأمن الغذائي لحوالي (12.5 مليون نسمة) من السوريين المقيمين في مناطق سيطرة الحكومة. أي نحو (60%) منهم يواجهون حالة حادة من غياب الأمن الغذائي «ولا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية» كما أشار التقرير المذكور.

 تسييس المساعدات الإنسانية

 الأوضاع الكارثية التي أشارت إليها الأمم المتحدة نفسها، جعلتها تدعو الدول والمنظمات المانحة المشاركة في «الدورة الخامسة» لمؤتمر بروكسل لدعم اللاجئين والنازحين السوريين (29-30 مارس) إلى زيادة مساعداتها لتبلغ (10 مليارات دولار) هذا العام.. منها (4.2 مليار دولار) للمساعدات داخل سوريا و(5.8 مليار دولار) لدعم اللاجئين والدول المضيفة لهم في المنطقة، وفي مقدمتها تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، حيث يوجد نحو (80%) من اللاجئين السوريين، إلا أن كل ما تمكن المؤتمر من جمعه بلغ (4.4 مليار دولار) هذا العام و(ملياري للعام المقبل وما يليه) وهو أقل بكثير من المطلوب. 

 واضح أن الجزء الذي تم التعهد بدفعه (4.4 مليار دولار) سيتم تقسيمه بنفس النسبة الأصلية، أي أن أغلبه سيذهب إلى الدول المضيفة للاجئين، والجزء الأقل سيتم توزيعه داخل سوريا.

 وهنا تبرز مفاجأة غير سعيدة إطلاقاً.. أن سوريا ليست مدعوة لحضور المؤتمر، ولم تكن مدعوة لحضور أي دورة سابقة، مع أنه يعقد باسمها!! وأما بقية المفاجأة غير السعيدة فهي أن الدولة السورية لا تحصل على سنت واحد من هذه المساعدات، ولا يتم توزيع شيء منها إطلاقاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة (70%) من مساحة البلاد، بل يتم توزيع هذه المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا (إدلب وغيرها من مناطق انتشار الإرهابيين في شمال غربي سوريا – والجيب التركي شرق الفرات).. وكذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» شرقي الفرات.

 أما السبب الذي تتذرع به الدول المانحة لمنع إشراك دمشق وحرمان الشعب السوري من المساعدات الدولية، فهو ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، وهذا هو الشرط الذي يطرحه المسؤولون الغربيون باستمرار، وكأن مناطق سيطرة الإرهابيين أولى بالمساعدة من الشعب السوري في مناطق سيطرة النظام.

 كما يطرح المانحون الغربيون نفس الشروط للمساعدة في إعادة الإعمار، متجاهلين أنهم بذلك يعاقبون الشعب السوري من حيث يتحدثون عن معاقبة النظام!  وأما عودة اللاجئين فيطرحون لها شروطاً أشد، لا تخطر ببال اللاجئ العادي، كالعفو العام من المعارضين والإفراج عن المسجونين السياسيين بغض النظر عن الجرائم الإرهابية المتورطين فيها، ويتجاهلون التسهيلات التي قدمتها دمشق للعائدين.

 أين العرب؟

 هذا التسييس للقضايا الإنسانية يعني ترك الشعب السوري الشقيق فريسة لكارثة إنسانية متفاقمة بصورة لم يعد السكوت عليها ممكناً، وهي تستوجب إعادة العلاقات العربية مع سوريا، والمسارعة إلى تقديم كافة أشكال المساعدة الإنسانية والاقتصادية لشعبها الشقيق قبل وقوع كارثة لن تسامحنا عليها ضمائرنا كعرب وكبشر.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"