الانقطاع عن التفكير

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

متى تنتهي حالة الصمت التي تعيشها الساحة الفكرية العربية؟ سؤال تفرضه أحوال تلك الساحة، فلا توجد أي أطروحة تثير الجدل أو الاشتباك في كثير من الحقول الحيوية: التفكير النظري، التكنولوجيا، العلوم، والتعليم.. نحن الآن لا نفتقد لتيارات ومدارس واتجاهات تثير المعارك والنقاشات فحسب؛ بل لا نستمتع بالحوارات التي كان ينخرط فيها اثنان من المثقفين أو أكثر، ولم يخرج علينا أحدهم خلال السنوات الماضية برؤية تثير الراكد، أو يفاجئنا بكتاب يعلن فيه عن مشروع أو تصور للراهن والمستقبل. 

القارئ لمسار الفكر العربي لا يعثر على عقد كامل لم ينتج فيه المثقفون والكتاب مقولات ويتبنوا نظريات، حتى ولو كانت مستوردة، كما هي حالتنا في العقدين الأخيرين، لعل آخر ظاهرة أثارت اهتمام الجميع وحثتهم على إعمال حاسة العقل النقدي تمثلت في العولمة، ولكننا توقفنا بعد ذلك. والمتابع لمسار هذا الفكر سيعجز إذا سأله أحدهم، من خارج الثقافة العربية: ما هو السؤال المركزي الذي تبحثون عن إجابته الآن؟، فلا يوجد فكر من غير سؤال، ولعل هذا المتابع سيلجأ إلى ذاكرته ليفتش عن آخر مرة سمع فيها أحد مفكرينا يطرح أسئلة موزونة تستشرف الغد، وسيجد نفسه أمام كثير من الأحجيات وهو يبحث عن تفسير لحالة الانقطاع عن التفكير التي نعانيها الآن.

الحالة الفكرية هي تعبير عن نشاط ذهني يعكس حالة المجتمع وحراكه: ثقافته اليومية السائدة ورؤيته للعالم والعلاقات المهيمنة بين مختلف فئاته وتفاعله مع المجتمعات الأخرى، تلك بديهية يعرفها الجميع، ولكنها تستدعي بدورها سؤالاً مهماً: هل توقفت مجتمعاتنا عن الحراك الذي يثير أدوات المفكر ليحلل أبعاده كافة؟ أم توقف مفكرونا عن الانفعال بذلك الحراك، ومن ثم قرروا الصمت؟، من المستحيل أن يتوقف أي مجتمع عن الحركة، حتى لو كانت خفية وغير ملحوظة للوهلة الأولى، إذن لماذا الصمت؟. 

يتحجج البعض لتبرير ذلك الصمت، بأننا نعيش مرحلة تاريخية مفصلية توقف فيها البشر عن اتباع النخبة، وقرروا أن يعيشوا أفكارهم البسيطة بمفردهم بعيداً عن تعقيدات وتنظيرات أصحاب الياقات البيضاء، كما يؤكد من يريح رأسه بالقول إن هذا هو واقع زمن العالم الافتراضي، ولكن هذا العالم الأخير نسخة من نظيره الواقعي، تحكمه القوانين نفسها والتي تطرح أسئلة حيوية تستدعي التأمل ومن ثم الإنتاج الفكري، والسؤال الأهم، ومنذ متى تنتج النخبة أفكارها للشارع؟

صحيح أنها كانت تتأثر بالشارع وتتابعه، ولكن كانت تؤثر فيه لاحقاً عبر وسائل عدة: التعليم والإعلام، فهل تراجع المحتوى الفكري الجاد في هذين القطاعين الحيويين؟، وهل حالة الصمت هذه جزء من مناخ عالمي لا يضع الفكر في مقدمة أولوياته؟، وهل توقف المركز الغربي بالفعل عن إنتاج الأفكار الكبرى التي كنا نعيد تدويرها؟ وفي النهاية هل أصبح الصمت الفكري في حد ذاته، ظاهرة؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار تلك الظاهرة بمثابة سؤالنا المركزي الراهن الذي يعيد إلى الجميع ألق التأمل والتفكير؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"