معركة استعادة العراق

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

جددت الزيارة التي قام بها مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية، نهاية الأسبوع الفائت وبداية هذا الأسبوع، لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، التساؤل حول مدى قدرة الدول العربية على استعادة العراق، وقبله جددت طرح السؤال عن مدى استعداد العراق، ومدى قدرته على هذه العودة بعيداً عن النوايا الحسنة، وبالتحديد بعيداً عن الاستقطاب الأمريكي – الإيراني المفروض عليه. والسؤال الأخير يفرض علينا، كعرب، أن نتساءل: هل استعادة العراق إلى أرضيته العربية مرهونة بانتهاء هذا الاستقطاب؟

 هذا السؤال الأخير، بصراحة شديدة، هو جوهر معركة العرب لاستعادة العراق، إذا كانت هناك جدية عربية للانخراط في هذه المهمة التي لا تقل أبداً عن كونها «معركة» بجدارة. 

 إن ما تعرض له العراق خلال السنوات الماضية من تدخلات خارجية بهدف إبعاده عن أمته العربية، كان في أحد أسبابه العرب أنفسهم، لأنهم ابتعدوا عنه، وتركوه وحيداً يواجه المؤامرات التي استهدفته، إضافة إلى مواجهته وحيداً للتنظيمات الإرهابية التي استغلت الفراغ العربي، وعاثت تخريباً وتدميراً وقتلاً، وهددت وحدته وسيادته. ثم إن الأمريكيين الذين عبثوا بمقدراته وأرسوا مفهوم المحاصصة الطائفية، بعد أن دمروا جيشه، لم يكشفوا عن نية حقيقية تؤيد عودة العراق واستعادته لعروبته واندماجه عربياً، سواء من جهة آلية «الشرق الجديد» التي ينادي بها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، بين العراق ومصر والأردن، أو من جهة اندماجه خليجياً باعتبار العراق دولة خليجية تاريخياً.

 فإذا كان الأمريكيون اثبتوا على مدى السنين أنهم ليسوا منحازين إلى تأسيس تكتل خليجي قوي يقود إلى أمن خليجي جماعي يرتبط بالأمن القومي العربي، فهم، بالأحرى، لن يكونوا مع تفعيل مثل هذا التكتل الخليجي بانضمام العراق. هم فقط مع أطر تعاون لعلاقات ثنائية بين كل دول المنطقة. كانوا كذلك، والأرجح أنهم لن يتغيروا كثيراً، فى المستقبل القريب.

 لذلك، فإن استعادة العراق إلى عروبته، سواء ضمن آلية «الشرق الجديد» المقترحة، أو ضمن إطار خليجي، تعد معركة بكل المعاني في حاجة إلى من يخوضونها، سواء كانوا عراقيين، أو كانوا من الدول العربية الخليجية التي باتت على يقين أنها قد ارتكبت خطأً فادحاً بإخلاء الساحة العراقية أمام الآخرين الذين نجحوا في إبعاده عن محيطه العربي، على قاعدة العداء لنظام حسين، ووجود مصلحة مشتركة لاجتثاثه واستئصاله. 

وساعدت الإدارة الأمريكية في ذلك عندما فرضت نظاماً سياسياً مشوهاً كرس الانقسام المجتمعي والطائفي، وأطلق يد الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية، وعندما دعمت مسعى الراحل أحمد الجلبي لتأسيس ما سمى ب«البيت الشيعي» عام 2004، أي بعد عام واحد من الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، ليضم قوى وأحزاباً شيعية تدافع عن فكرة «أحقية» الشيعة في الحكم بالنظر إلى أغلبيتهم السكانية.

 وإذا كان الواقع الأليم للصراع الإقليمي خاصة في إقليم الخليج قد ولّد إدراكاً خليجياً بالخطأ الذي ارتُكب بالانسحاب العربي من العراق عقب غزوه واحتلاله أمريكياً، الذي أدى إلى انهيار «بوابة العرب الشرقية» و«حائط الصد»، فإن الخطوة التي يجب أن تلي هذا الإدراك هي التأسيس لوعي عربي خليجي يقول إنه لابد من استعادة العراق لعروبته، باعتبار ذلك مطلباً حيوياً لحماية الجسد العربي من التفتت والانهيار، وباعتبار هذه المهمة خطوة أساسية لاستعادة «حائط الصد العربي».

 هذا النوع من الوعي الاستراتيجي أصبح أمراً حيوياً من جانب العرب، والخليجيين بشكل خاص، ويبقى أن تؤسس له قاعدته داخل العراق، الذي يواجه الكثير من الصراعات والعوائق التي تعرقل مثل هذه المهمة، من بينها ضعف وزن الطرف الذي يمكن اعتباره مؤهلاً لدعم استعادة الخيار العروبي للعراق، لأنه مع الأسف أكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة، والإبقاء على نفوذها في العراق. ويبقى الرهان على شخص مصطفى الكاظمي المندفع في حماسة للانفتاح على الجوار العربي في الخليج وفي المشرق مع الأردن ومصر، ومدى نجاحه في خلق كتلة وطنية عراقية مؤمنة بهذا التوجه، ولن يستطيع القيام بهذه المهمة من دون دعم عربي حقيقي.

 مثل هذا الدعم هو أول اختبار لجدية خوض العرب معركة استعادة العراق على النحو الذي تحقق في زيارة الكاظمي للرياض وأبوظبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"