ألمانيا سرّ أوروبا

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

حسم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا أمر خلافة المستشارة أنجيلا ميركل بتزكية رئيسه أرمين لاشيت لمنصب المستشارية بعد أن يخوض غمار الانتخابات العامة في سبتمبر /أيلول المقبل. وفي حالة فوزه، سيكون لاشيت أمام مهمة استثنائية يعول عليها الألمان وأنصار الاتحاد الأوروبي لتجاوز المرحلة الضبابية التي سادت بعد «بريكست» البريطاني وصعود التيارات اليمينية.

   لاشيت، المعروف بسياسته الليبرالية وشغفه بالاتحاد الأوروبي والقدرة على التواصل مع مجتمعات المهاجرين، أبدى في محطات عدة أنه لن يتسامح مطلقا مع الإجرام والتطرف بكل معانيهما ودلالاتهما. ورغم الحديث عن أن الرجل لا يحظى بشعبية، إلا أن نبرته تجد رواجا بين القوى الوسطية الأوروبية، التي قاومت الضغط خلال السنوات الماضية، وتحلم بقيادات جديدة تقود القارة إلى مزيد من التأثير في الفعل العالمي، وتستفيد من التغيير العميق في السياسة الأمريكية مع ذهاب الشعبوي دونالد ترامب ومجيء الديمقراطي ذي الميول إلى أوروبا جو بايدن.

ألمانيا، سرّ أوروبا وأكبر قوة اقتصادية فيها، تريد تعزيز شراكتها مع فرنسا حليفتها الاستراتيجية لتدارك ما فاتهما من فرص لتعزيز الاتحاد الأوروبي بسبب جائحة كورونا التي أنهكت القارة وألحقت بها أضرارا لم تعرفها منذ الحرب العالمية الثانية، وجراء التداعيات السياسية والمعارك القانونية والتجارية التي واكبت الخروج البريطاني. ومن هذه اللحظة إلى سبتمبر/ أيلول، ستفرض الرهانات، على ألمانيا تغيير آليات عملها وانتخاب قيادة جديدة تستطيع أن تأخذ البلاد إلى أبعاد جديدة تعزز ما حققته ميركل طيلة 16 عاما من الحكم. وسواء فاز لاشيت بالانتخابات أو غيره، فإن المرحلة هي التي ستحدد طبيعة القائد وليس العكس. وربما سيستغرق الأمر أكثر من عام حتى تتجلى صورة الوضع الاوروبي بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومعرفة مصير إيمانويل ماكرون، مع التأكيد أن النتيجة لن تحمل أي مفاجآت، بسبب توجهات التطورات المحيطة، فالتيارات اليمينية، التي توهمت أنها ستسود بالنعرات القومية وستقضي على الحلم الأوروبي، لم تعد تقوى على مواجهة قوى يمين الوسط التي تسعى إلى مواجهة التطرف على جبهات عديدة، وتريد أن تكون قاطرة للتعافي الأوروبي وتصنع قوة دولية تكون شريكة وازنة للولايات المتحدة الأمريكية، وربما الصين أيضا، وجارة قوية لروسيا.

  من المبكر التسليم بأن المستقبل الأوروبي سيكون واعدا، لكن الفرضية الأقرب تشير إلى أنه سيكون في اتجاه أفضل بعد الانتخابات الألمانية المقبلة. وسيكون الرهان على الانفتاح وتوسيع التعاون مع مختلف الأطراف الدولية، وخصوصا الولايات المتحدة. فمثلما خسر الطرفان معاً في قضايا عديدة في عهد إدارة ترامب، سيحققان مكاسب جديدة مع بايدن، سواء من خلال علاقاتهما الثنائية أو بما يتصل بالملفات الدولية العالقة. وهذه العوامل الظاهرة والمأمولة تجعل من الانتخابات الألمانية على درجة عالية من الأهمية، وفوز لاشيت بالمستشارية سينعكس إيجاباً على كل القوى الأوروبية التي تؤمن بدعم بناء الاتحاد وتدافع عن مستقبله بعيداً عن تهديدات التفكيك والشعبوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"