عادي

تكليف نتنياهو لايحل الأزمة

23:48 مساء
قراءة 4 دقائق
1

حلمي موسى

كلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة بعد أن رشحته لهذه المهمة القوائم المؤيدة له والتي نالت 52 مقعداً في الكنيست، فيما نال زعيم «يوجد مستقبل»، يائير لبيد الذي احتل حزبه المكان الثاني في ترتيب الأحزاب تأييد حوالي 45 نائباً لتشكيل الحكومة.

بدا واضحاً أن تكليف ريفلين لنتنياهو بتشكيل الحكومة، تعرض لانتقادات شديدة على أرضية قيمية، بسبب الاتهامات والمحاكمة الجنائية الجارية لنتنياهو. وتشهد هذه الانتقادات على عمق الأزمة السياسية التي يعانيها الكيان والتي تتركز، بشكل كبير، حول شخصية نتنياهو.
 فقد جرت الانتخابات، وهي الرابعة خلال أقل من عامين، على أرضية تأييد أو معارضة بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة. ولم تغير نتائج الانتخابات طبيعة المأزق القائم، كما أنها لم تحسم الخلاف حول شخصيته. ولذلك فإن تكليفه بتشكيل الحكومة لا يقدم جديداً إلى الواقع الإسرائيلي. وربما أن الجديد الوحيد الذي قد يحدث هو تراجع أي من الأقطاب اليمينيين، «يمينا» بزعامة نفتالي بينت أو «أمل جديد» بزعامة جدعون ساعر أو «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان عن رفض ترؤس نتنياهو للحكومة المقبلة. أو تراجع نتنياهو عن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، ولو بشكل مؤقت عبر منطق المناوبة أو من دون ذلك.
 وربما بسبب تعقيدات الوضع الداخلي في الحلبة السياسية الإسرائيلية يندفع كثيرون للتكهن بخطوات تبدو غير منطقية وخارج السياق العام للأحداث. وهكذا نجد الكثير من الأحاديث حول الموانع التي تحول دون تمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومي. فنتائج الانتخابات أظهرت أن مؤيدي نتنياهو عاجزون عن توفير نصاب لتشكيل حكومة. فكل ما يملكون هو 52 مقعداً يصعب تعزيزها لتصل إلى 61 مقعداً وهي الأغلبية المطلوبة. أي أنه يحتاج إلى تسعة مقاعد على الأقل يحاول أن يأخذها من حزبي يمينا وأمل جديد. ولكن زعيمي هذين الحزبين يطمحان إلى إزاحة نتنياهو عن زعامة اليمين والحلول محله. وبينت الانتخابات أن ساعر لم يحقق الاختراق المطلوب وهو يصر على رفض دخول حكومة يرأسها نتنياهو. 
 بينت وليبيد
وفي المقابل فإن بينت أدار حواراته مع الآخرين على قاعدة إصراره على ترؤس الحكومة الجديدة رغم أنه لا يملك في الكنيست سوى 8 مقاعد. وهو يؤمن أن المقاعد الثمانية هذه تؤهله للمطالبة برئاسة الحكومة نظراً لحاجة الجميع له. فيائير لبيد الذي نال حزبه 17 مقعداً اضطر لأن يعرض على بينت التناوب على رئاسة الحكومة وأن يكون الأول. كما أن نتنياهو نفسه عرض على بينت التناوب على رئاسة الحكومة شرط أن يكون الثاني.
 ورغم ذلك فإن اتفاق نتنياهو مع بينت لا يضمن له تشكيل الحكومة خصوصاً أنها تبقى بحاجة لدعم خارجي. وقد شاع أن القائمة العربية الموحدة برئاسة عباس منصور مستعدة لدعم حكومة برئاسة نتنياهو. غير أن الأقطاب الأشد فاشية في معسكر نتنياهو رفضت الاعتماد في تشكيل حكومة يمينية على القائمة العربية. وهذا ما زاد الوضع تعقيداً. فخصوم نتنياهو اليمينيين، مثل أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر ليسا على استعداد للتراجع عن موقفهم برفض نتنياهو. ولذلك فإن الخيارات الفعلية المتبقية هي حكومة أقلية يمينية بأقل من 61 نائباً في الكنيست أو حكومة بالاتفاق مع «هناك مستقبل» أو «أزرق أبيض». 
 واضح أن اليمين يرفض تشكيل حكومة برأسين كما هي الحال مع نتنياهو وغانتس. كما أنه لا يريد حكومة مع قوى علمانية تقود إلى إبعاد تأثير الحريديم الذين يشكلون قوة كبيرة داعمة لنتنياهو.
 خياران
 وهكذا تتضح معالم المأزق القائم والمتمثل بحدة العداء الشخصي لنتنياهو من جانب بعض الأطراف، وتعقيدات التحالف الممكنة. فالقوى «الليبرالية» لا تزال ترفض الاستناد إلى الصوت العربي، كما أنها لا تملك الخيار بسبب ضعفها. والأحزاب اليمينية عاجزة عن تشكيل ائتلاف بسبب الخلافات داخل صفوفها. وهذا يقود بشكل واضح إلى واحد من خيارين: التراجع أو الذهاب إلى انتخابات خامسة جديدة. وواضح أن الذهاب لانتخابات جديدة، وهذه المرة بسبب إصرار نتنياهو على البقاء في الحكم، قد تكون نتيجتها مدمرة. ولهذا يسعى نتنياهو في الوقت الراهن للتفاهم مع كل القوى. فهو لا يريد سوى ترؤس الحكومة لفترة معينة يقود فيها حملة تطهير نفسه من الاتهامات التي تلاحقه بالفساد. وإذا لم يتمكن من ذلك فإن الخيارات المتوافرة لأنصاره تتمثل في دائرة واسعة من التدابير منها ترشيح أحد المقربين لنتنياهو لتشكيل الحكومة. فابتعاد نتنياهو عن الواجهة قد يحقق لساعر شرطه بالانضمام لحكومة لا يترأسها نتنياهو. وهذا يضعف موقف بينت الطامح لاستغلال قوته الجديدة في سبيل تولي رئاسة الحكومة.
 ويبدو أن كل الطرق مسدودة حتى الآن، لكن الألاعيب تجري هنا وهناك بقصد تسهيل حل اللغز وإبقاء اليمين في رئاسة الحكومة. فإذا كان نتنياهو هو العقبة فلتبذل كل الجهود لتذليلها، لأن المهم في نظر الكثيرين ليس نتنياهو وإنما حكم اليمين. واليمين، وفق كل المعطيات حقق فوزاً كبيراً لا يظهر حتى الآن بسبب تركيز الأنظار على نتنياهو ورئاسة الحكومة. ويزداد ميل الكثيرين من أنصار نتنياهو إلى البحث عن حلول خلاقة. وبين هذه الحلول محاولة ترشيح نتنياهو لرئاسة الدولة، بحيث يمتلك حصانة تحول دون ملاحقته قضائياً وتبقي له دوراً ومكانة ولو رمزية.
 ومهما يكن الحال فالواضح حتى الآن أن إسرائيل تواصل السير في متاهة الأزمة السياسية من دون توفير أية حلول مرضية.فالمناوئون لنتنياهو لا يستطيعون تشكيل حكومة حتى مع القوى اليمينية المعادية لنتنياهو، ولا نتنياهو قادر على تشكيل الائتلاف الذي يريد. ولذلك تطرح بين الحين والآخر فكرة حكومة المئة يوم التي لا غاية لها سوى تحرير نتنياهو من كوابل اتفاقه الحكومي مع «أزرق أبيض» بزعامة غانتس والذي يمنع اتخاذ قرارات أساسية. كما أن استمرار الأزمة بقصد الذهاب لانتخابات جديدة ليس مقبولاً من أغلب الأطراف التي ترى أنها ستخسر جزءاً من رصيدها الشعبي إن أوصلت الأمور إلى هذا الحد.
 عموماً يمنح القانون الإسرائيلي نتنياهو أربعة أسابيع كمهلة لتشكيل الحكومة ويمكن له طلب تمديدها أسبوعين آخرين. وحتى انقضاء هذه المدة تجري مداولات بحماس للعثور على مخارج لن تسمح في كل الأحوال باستقرار الحلبة الداخلية على المدى البعيد.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"