عادي
شمس الحضارة الإسلامية

عمر الخيام عالم فذّ ظلمه الشعر

23:07 مساء
قراءة 3 دقائق
4

مع بداية القرن الخامس الميلادي كان العالم يعيش في ظلمات من الجهل والتخلف، فمع وهن الإمبراطورية الرومانية وتفتتها، بدأت العصور الوسطى المظلمة التى اتسمت باضمحلال العلوم وانتشار الخرافة والمتوارثات الشعبية الأسطورية. وفي خضم هذا السواد الحالك لاح في الأفق نور يبدد ظلام الجهل لتبزغ شمس الحضارة الإسلامية، حيث كان المسلمون يعيشون حياة الازدهار والرقي، وشهدت القرون الوسطى تقدماً فريداً في كل العلوم والمجالات، خاصة الفلك والطب والفلسفة ، وغدت بلاد المسلمين مقصد العلماء وطلاب العلم، حيث العدل والحرية اللذان مهدا الطريق أمام العلماء للبحث والمعرفة ووضع أسس المنهج العلمي الذي يعتمد على التجربة والمشاهدة والاستنتاج وإعمال العقل ليظهر جيل جديد من العلماء الذين وضعوا اللبنات الأولى للتطور العملي الحديث.

في‏ ‏عام‏ 440 ‏ه‏ - 1048 ‏م‏ ‏ولد ‏أبوالفتح‏ ‏غياث‏ ‏الدين‏ ‏عمر‏ ‏بن‏ ‏إبراهيم‏ ‏الخيام‏ ‏النيسابوري، ‏ولقبت عائلته باسم الخيام، نسبة إلى عمل والده في تجارة الخيام. ‏‏وأما‏ ‏النيسابوري‏، ‏فلأنه‏ ‏ولد‏ ‏في‏ ‏نيسابور‏ ‏عاصمة‏ ‏خراسان‏، حيث أخذ ينهل من علومها وعلمائها، إذ كانت‏ مركزا‏ً ‏من‏ ‏أعظم‏ ‏مراكز‏ ‏الحضارة‏ ‏الإسلامية، وتتلمذ على يد الإمام موفق نيسابوري.

كان الخيام يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يواتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان. ولما أصبح صديقه نظام الملك وزيراً للسلطان ألب أرسلان ثم لابنه السلطان ملك شاه، خصص له مئتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام من خزينة نيسابور، فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وعاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند، حيث أنهى رسالته المعروفة باسم «رسالة في الجبر والمقابلة». وكان يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل بخارى وبلخ وأصفهان رغبة منه في التزود من العلم وتبادل الأفكار مع العلماء. وكان صديقهما الثالث هو حسن الصباح مؤسس طائفة الحشاشين. 
توفي عمر الخيام عن عمر يناهز 83 عاماً في نيسابور في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1131. ودفن في قبر كان تنبأ بموقعه في شعره، في بستان تسقط فيه الأزهار مرتين في السنة، ويطلق على ذلك المكان الآن ضريح عمر الخيّام.
ورغم‏ أنه‏ «علّامة‏ ‏الزمان‏» ‏في‏ ‏الرياضيات‏ ‏والفلك‏ ‏والفيزياء‏ ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏العلوم، فإن شهرته التي ذاعت‏ ‏وروّج‏ ‏لها‏ المغرضون من ‏أهل الغرب‏ ‏وسار‏ ‏وراءهم‏ ‏بعض‏ ‏أهل‏ ‏الشرق‏ ‏من‏ ‏المسلمين‏ ‏هي‏ ‏في الفلسفة والشعر ‏الماجن‏. وهو من ذلك براء، إذ كانت‏ ‏للخيام‏ ‏تأملات‏ ‏في‏ ‏الوجود‏ ‏والكون‏ ‏والحياة، ‏وكتب‏ ‏في‏ ‏الفلسفة، ‏إضافة‏ ‏إلى ‏زهده‏ ‏وورعه‏ ‏وتقواه، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏بعد‏ ‏وفاته‏ ‏بقرنين‏ ‏تقريبا‏ً ‏ظهرت‏ ‏في‏ ‏أوروبا‏ ‏رباعيات‏ ‏من‏ ‏الشعر‏ ‏الماجن‏ نسبت إليه‏. ووضع الشاعر‏ ‏الإنجليزي‏ إدوارد‏ ‏فيتزجرالد‏ ‏‏كتاب‏«أشعار‏ ‏عمر‏ ‏الخيام»‏ ‏في‏ ‏عام‏ 1589‏م، ‏وجند‏ ‏العشرات‏ ‏من‏ ‏أساتذة‏ ‏الأدب‏ ‏في‏ ‏الجامعات‏ ‏الإنجليزية‏ ‏لنشر‏ ‏هذا‏ ‏الشعر‏ الملفق، ‏الذي‏ ‏نسبه‏ ‏إلى‏ ‏العالم‏ ‏المسلم‏ ‏عمر‏ ‏الخيام، ‏وهو‏ ‏شعر‏ ‏في‏ ‏مجال‏ ‏الخمر ‏والإباحية‏.
يقول‏ ‏المفكر‏ ‏الإسلامي‏ ‏الراحل أنور‏ ‏الجندي‏: المراجعات‏ ‏الدقيقة‏ ‏التي‏ ‏أجريت‏ ‏منذ‏ ‏اللحظة‏ ‏الأولى ‏كشفت‏ ‏عن‏ ‏أن‏ فيتزجرالد‏ ‏حين‏ ‏وصلته‏ ‏المخطوطات‏ ‏الفارسية‏ ‏والهندية‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏بالوضوح‏ ‏الذي‏ ‏يمركزها‏ ‏كلها‏ ‏حول‏ ‏عمر‏ ‏الخيام‏. ‏كما‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏أخطاءً‏ ‏بالغة‏ ‏في‏ ‏الترجمة‏، وهناك‏ ‏إشارة‏ ‏واضحة‏ ‏إلى سوء نية فيتزجرالد‏ ‏الذي استوحى‏ ‏النصوص‏ ‏ولم‏ ‏يترجمها‏، مما ‏يؤكد‏ ‏الدس‏ ‏على‏ ‏عمر‏ ‏الخيام.
حصّل‏ ‏الخيام‏ ‏العلوم‏ ‏المختلفة، ‏لغوية‏ ‏وأدبية‏ ‏وتاريخية‏ ‏وشرعية‏ ‏وطبيعية، ‏وقرأ‏ ‏وطالع‏ ‏وبحث‏ ‏في‏ ‏مؤلفات‏ ‏إقليدس‏ ‏والخوارزمي‏ ‏وابن‏ ‏الهيثم‏ ‏وغيرهم، ‏فبرع‏ ‏وظهر‏ ‏وسطع‏ ‏نجمه‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏العلوم. ومن أهم‏ و‏أبرز‏ ‏الإنجازات‏ ‏العلمية‏ ‏التي‏ ‏حققها‏ ‏هذا‏ ‏العالم‏ ‏المسلم‏ حساب‏ ‏طول‏ ‏السنة‏ ‏الشمسية‏ ‏ب‏ 365 ‏يوماً، و5 ‏ساعات، و49 ‏دقيقة، و5.75 ‏ثانية، ‏وذلك‏ ‏بحسابات‏ ‏حصل‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏أرصاد‏ ‏دقيقة‏ ‏جداً‏ ‏قام‏ ‏بها‏. ‏كما‏ ‏وضع‏ ‏تقويماً‏ ‏شمسياً‏ مغايراً لما‏ ‏كان‏ ‏معروفاً‏ ‏في‏ ‏زمانه، ‏و‏وصفه، ‏فيما‏ ‏بعد‏، ‏المؤرخ‏ ‏العالمي‏ جيبون‏ ‏بأنه‏ ‏أدق‏ ‏التقاويم‏ ‏أو‏ ‏أعظمها دقة‏. 
 ابتكارات
للخيام ‏في‏ ‏علم‏ ‏الجبر‏ ‏ابتكارات‏ ‏مهمة، ‏وضعته‏ ‏في‏ ‏المكانة‏ ‏الثانية‏ ‏بعد‏ ‏الخوارزمي.
‏كما ‏اخترع‏ ‏ساعة‏ ‏مائية، ‏كانت‏ ‏دقات‏ ‏الثواني‏ ‏بها‏ ‏عبارة‏ ‏عن‏ ‏تساقط‏ ‏قطرات‏ ‏الماء .‏ وكانت‏ ‏له ‏إنجازات‏ ‏في‏ ‏مجالات‏ ‏شتى، و‏مؤلفات‏ ‏في‏ ‏مجالات‏ ‏متنوعة، ‏كالفلك‏ ‏والرياضيات‏ ‏والفيزياء‏ ‏والفلسفة‏ ‏وغيرها‏. وذكر‏ ‏المؤرخ‏ ‏الكبير‏ ‏جورج‏ ‏سارتون‏ ‏في‏ ‏كتابه‏ «إعزاز‏ ‏علوم‏ ‏القرون‏ ‏الوسطي‏ ‏خلال‏ ‏النهضة‏ ‏الأوروبية»‏ ‏أن‏ ‏سيمون‏ ‏ستيفين‏ ‏عالم‏ ‏الميكانيكا‏ ‏الهولندي، ‏أخذ‏ ‏عن‏ ‏عمر‏ ‏الخيام‏ ‏تصنيف‏ ‏المعادلات‏ ‏الجبرية‏ في‏ 13 ‏نوعاً، ‏ثم‏ ‏وضع‏ ‏له‏ ‏بعض‏ ‏التعديلات‏ ‏الطفيفة، ‏كما‏ ترجم العالم‏ ‏الألماني‏ ووبيك‏ رسالة‏ ‏البراهين‏ ‏على ‏مسائل‏ ‏الجبر‏ ‏والمقابلة‏ ‏للخيام‏ ‏إلى ‏اللغة‏ ‏الألمانية، ‏ونشرها‏ ‏الفرنسيون‏ ‏في‏ ‏باريس‏ ‏عام‏ 1267 ‏ه‏ 1851 ‏م، ‏فذاعت‏ ‏شهرة‏ ‏الخيام‏ ‏كعالم‏ ‏كبير‏ ‏في‏ ‏علم‏ ‏الجبر‏.‏

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"