عادي

من يوميات زمن «كورونا»(3)

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن

** كشفت جائحة كورونا، على المستوى الجمعي العربي، أن منظومة العمل العربي المشترك، حتى في مجالات إدارة وتدبير ومواجهة الكوارث العابرة لحدود الإقليم العربي، على درجة عالية من الضعف والهشاشة.

** كنا نعتقد أن الضعف يكمن فقط في الفعل السياسي والاقتصادي المشترك، وفوجئنا بأن الهشاشة جاثمة ومقيمة في كافة جوانب المشهد.

** لقد ألقت هذه الجائحة بظلالها على كافة الصعد وفي جميع دول العالم، وأثَّرت في حياة الناس اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، وفي ثقة الشعوب بقرارات حكوماتها.

** كان الجميع، ومازال، قادة ومؤسسات، تحت اختبار عسير لقدراته وتوقعاته وتكيفه مع تحديات هذا الوباء وسلالته الخطرة، وفي امتحان قاسٍ لجاهزية الدول للأحداث غير المتوقعة، ولمدى سلامة منهجيات التخطيط الاستباقي، إن وُجدت.

** عاش العالم، خلال العام الأول من الوباء، حالة من اللايقين والتخبط، وضعفاً في المعلومات العلمية عن الوباء وعن غيره من الكوارث المناخية المستجدة، وتداعياتها الإنسانية.

***

** أشعر، ومعي كثيرون، بالتعب من متابعة إحصاء إصابات ووفيات هذا الوباء، وقد أصابنا الملل من كثرة الخوض في تعقيدات مصادره وتحوراته وتداعياته الطويلة الأمد، وما تتطلب مواجهته من مقاربات غير تقليدية في العلاج والحوكمة والسياسات الصحية والمناعة والدفاعات الفردية والمجتمعية... الخ.

** ولعلنا قد اعتدنا على قسوة أيام هذه الجائحة، ونسأل الله أن يزيلها عن البشرية، وتعايشنا مع ما يُعكّر مزاج يومنا، وأساليب حياتنا في ما قبل «كورونا»، وتجرعنا نصائح الخبراء، وغير الخبراء، فهجرنا طقوس المصافحة والعناق.

وسمعنا وأطعنا تحذيراتهم بعدم السفر خارج الوطن والتجوال في الأسواق، وأغلقنا أبواباً للمسرات ولمجالس العزاء، وصرنا لا نتحدث إلاَّ من وراء قناع، وتقبلنا شغب الأطفال وشقاوة الأحفاد في بيوتنا، بعد أن أغلقت المدارس أبوابها، وقلانا النوم حيناً، والكوابيس أحياناً، وما احتجنا إلى مراجعة معاجم تفسير الأحلام والرؤى، واقتنعنا بأن علم تفسير الأحلام انتهى بعد موت يوسف عليه السلام، واكتفينا بالتعوّذ بالله من الشيطان، والتقلب ذات اليمين وذات الشمال وكفى.

** ينتاب الإنسان الضجر أحياناً، بسبب رتابة يوميات «كورونا»، يهرب لساعات طوال إلى «الهاتف الجوَّال»، وإلى «الآيباد»، أو يجلس بتكاسل أمام شاشة التلفزة، يبحث عن فيلم وثائقي أو آخر «كوميدي» يساعد الإنسان على عدم رؤية العالم من ثقب إبرة، وعلى فك الأحزمة، باعتبار أن الجو ربيع، ولا مطبّات هوائية أو وبائية خطرة قادمة، كما يعينه على التثاؤب، بدلاً من إرهاق الفكر.

** وقد قرأت مؤخراً أن بيل جيتس يغسل أحياناً الصحون في مطبخ منزله لإزالة الضغوط عن ذهنه، وكنت أحسب أن صاحبنا من دون ضغوط أو ما شابهها.

** لكن تهبط فجأة على النفس أسئلة كبرى، بخاصة في لحظات التأمل والتحديث في الأفق من بينها أسئلة حول ما يجري في الإقليم من استثمار لظروف الخوف والقلق لإشعال فتيل صراعات ونزاعات هنا وهناك، وبتغيير توازنات وحقوق تاريخية، قد تفتح الأبواب أمام إشكاليات جديدة من العنف واليأس، وليظل «الشرق الأوسط» يتلوَّى تحت وقع التمزق والأحقاد والقلق.

***

** نستيقظ كل صباح، وفي قلوبنا أمل بغدٍ أفضل، نفكك خيوطاً من نسيج «العزلة»، ونخرج في جولة مشي على الأقدام صباحية، والشتاء في أواخر رَمَقِهِ، وذلك في بدايات الربع الأول من العام 2021، تباطأنا في المشي عند وصولنا إلى حديقة عامة مجاورة، خالية في هذا الوقت من أطفال يلهون وأمهات (ومربيات أطفال - عمالة منزلية) يتلهين بهواتفهن ومتابعة لهو الأطفال، وسرب عصافير يلتقط فتات أطعمة تطايرت على أعشاب الحديقة، وتتقافز وهي تزقزق فرحةً بالحرية المشتهاة، وهي ترتدي ثوبها الأخضر والمرقط بالندى.

** أعود إلى البيت، وأدلف إلى مكتبتي، أرنو إلى رفوفها وإحساس قوي يجتاحني بصداقة عميقة مع المؤلفين والكتَّاب والعلماء الذين صنعوا كل هذا التراث والعطاء الفكري الإنساني، جميعهم مسافرون على نحو من الأنحاء، فرقة «أوركسترا» برؤى متنوعة، وعواطف ومشاعر متباينة.

** في لحظة صفاء وتأمل، سألت صاحبي عمَّن يجرؤ على الرهان بأن أنماطاً جديدة من السلوكيات الفردية والاجتماعية سوف تتخلق بعد الخلاص من جائحة «كورونا»، وأن العالم سيعيد النظر في مفاهيم وآليات السلم والأمن الدوليين، وسيراجع المقاربات السيادية والانفرادية لصالح التعاون والإنصاف والتضامن الإقليمي والدولي.

** قال صاحبي: «إن الفعل البشري هش للغاية، ولا يكون ذا فاعلية إيجابية نسبية، إلاّ إذا أدرك هشاشته، واحتاط عن ذلك بالشك الدائم والمراجعة المتكررة».

** صاحبي يعشق الفلسفة، ولديه أمل في صلاح الجنس البشري، رغم أن فلاسفة كثراً يؤكدون أن البشر تتحكم فيهم «التفاهة» ولكنهم غافلون عن ذلك، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

** أنا شخصياً متفائل بالتغيير، هكذا كتبت في يومياتي، وبرهاني على ذلك هو ما جرى في البيت الأبيض قبل نحو شهر، حينما أجرى الرئيس الأمريكي بايدن تغييراً ملحوظاً في البيت الأبيض، فقرر إعادة كلبيه (ميجور، وتشامب) إلى منزله في ولاية ديلاوير بعد أن هاجم الكلب ميجور (عمره 3 سنوات، وهو من نوع «الراعي الألماني» - جيرمان شيبرد) ضابط أمن من موظفي البيت الأبيض وعضَّه في فخده، وقد اعتاد هذا الكلب على النباح المستمر على موظفي البيت الأبيض ومهاجمتهم، وهو نفسه الذي تسبب بإصابة في كاهل قدم بايدن أثناء اللعب مع كلبه قبل أن يتولى الرئاسة. نعم، هناك أمل!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"