بلاد الشمس المشرقة

01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

احتفلت اليابان في 22 فبراير/شباط الماضي بعيدها القومي. واليابان من الدول التي تتمتع بعلاقات صداقة وروابط متينة مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عقود. وظلت الدولتان عبر تاريخ العلاقات بينهما، مثالاً للتعاون الصادق، حيث تعمل الإمارات بشكل دائم على تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري، والاستفادة من الخبرات اليابانية الكثيرة والمتنوعة. ويوم السبت الماضي، وقّعت وزارة الطاقة، ووزارة التجارة اليابانية اتفاقية تعاون لاستكشاف الفرص المتاحة في مجال تطوير الهيدروجين، الأمر الذي من شأنه توسيع قواعد الشراكة وتعزيز الاستثمار الذي يمثل داعماً رئيسياً لطموح تسريع تحول الطاقة نحو مستقبل منخفض الكربون.

اليابان بلد الحضارة المشرقة التي استطاعت أن تصنع مجداً رفيعاً سامياً، بجهودها وقدراتها الذاتية، دون الاعتماد على الآخر، حتى صارت مضرب المثل في الاعتماد على الذات، وتعظيم قدرات الفرد.

وقد تهيأت لها أسباب عديدة مهدت لها الريادة، أولها: أنها لم تتعرض للغزو من قبل الشعوب الأخرى، بسبب بُعدها عن مصادر الخطر؛ كونها تشكل مجموعة من الجزر في عمق المحيط الهادئ، وأيضاً استمرار الأسرة الحاكمة فيها منذ أكثر من ألف سنة، مما أدى إلى إيجاد تقاليد سياسية واجتماعية راسخة. وقد تنبهت اليابان لما يجري حولها، وخصوصاً بعد احتلال بريطانيا للصين في القرن التاسع عشر، فبادرت إلى انتهاج سبل التحديث، وابتدأت بالتعليم، حيث تم إرسال بعثات إلى الخارج لدراسة أنظمة التعليم في الدول الغربية الرائدة. 

وقد عادت تلك البعثات بأفكار اللامركزية، ومجالس المدارس المحلية، واستقلالية المعلم، فظهر نظام تعليمي وطني حديث، وقفز معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية من حوالي 30% من السكان في سن الدراسة، في سبعينات القرن التاسع عشر إلى أكثر من 90% بحلول عام 1900، وتم استبدال الكتب المدرسية القائمة على الأخلاق الكونفوشيوسية. 

وترافق ذلك مع سعي دائب نحو التصنيع، وتغيير قاعدة الإنتاج في البلاد من الزراعة إلى الصناعة، ومنذ عام 1880 حققت اليابان نمواً مستداماً في دخل الفرد من خلال التصنيع.

وقد عملت الحكومات الوطنية والمحلية وكلاء تنسيق لبناء البنية التحتية الصناعية. وأدى تركيز الإنتاج الصناعي أولاً في أوساكا، ثم في جميع أنحاء حزام توكايدو إلى تعزيز اقتصاديات النطاق الجغرافي القوية، مما قلل من تكاليف تأمين الطاقة والمواد الخام، وسهل الوصول إلى الأسواق العالمية من قبل الشركات الموجودة في حواضر الموانئ الكبيرة الممتدة من مجمع أوساكا/كوبي الضخم، شمالًا، إلى منطقة طوكيو/يوكوهاما المزدحمة.

وبين عامي 1904 و1911، تم إنشاء مشروع كهرباء اليابان، وسرعان ما ظهرت خطوط السكك الحديدية الكهربائية بين المدن، وهذا أسهم بدوره في اختصار الوقت وتقليل التكاليف. وكان للدفع نحو إنتاج الآلات الكهربائية خلال عشرينيات القرن الماضي تأثير ثوري على التصنيع. ومع الاندفاع نحو الصناعات الثقيلة (الكيماويات والحديد والصلب والآلات) ارتفع الطلب على العمالة الماهرة، وبدأت الشركات الكبيرة في هذه الصناعات تقديم أجور متميزة وضمانات للتوظيف في الأوقات الجيدة والسيئة كطريقة لتحفيز العمال ذوي القيمة والتمسك بهم. وتسارعت وتيرة النمو مع توسع الرقعة الجغرافية التي ضمتها أراضي المستعمرات في الخارج خلال النصف الأول من القرن العشرين. وعلى الرغم مما لحق اليابان من تدمير وخسائر هائلة في البنية التحتية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، فإنها استطاعت أن تعيد بناء ذاتها خلال فترة قصيرة. 

وتقف اليابان اليوم في قمة الهرم الاقتصادي العالمي، فهي ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ورابع أكبر اقتصاد من حيث تعادل القوة الشرائية، وثاني أكبر اقتصاد متقدم في العالم، وهي عضو في G7 وG20.

ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد 41,637 دولار في 2020. ويقدم مؤشر Nikkei 225 التقرير الشهري لأهم الأسهم القيادية في بورصة اليابان، والتي تعد ثالث أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة السوقية. وفي العام الماضي كانت اليابان رابع أكبر مستورد، ورابع أكبر مُصدّر في العالم، ولديها ثاني أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم بقيمة 1.3 تريليون دولار، وتحتل المرتبة 29 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية، والخامسة في تقرير التنافسية العالمية. وتعد أيضاً ثالث أكبر سوق استهلاكي في العالم، وثالث أكبر دولة في العالم لتصنيع السيارات، وتقود العديد من إجراءات إيداع براءات الاختراع العالمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"