غرائب الغرفة الفارغة

هل يشعر سكان الكوكب حقّاً بالتحوّلات النجوميّة التي حدثت، وستحدث بما لا يخطر على بال؟ عندما تتعاقب الأحداث بسلاسة، لا يحسّ الأفراد ولا المجتمعات بالهزّات، لكن ما هي انعكاسات إدراك التغيير على الفرد والمجتمع إزاء الحاضر والمستقبل؟
مثلاً: تجلس في غرفة ليس فيها غير طاولة وكرسيّ، في يدك الجوّال، الذي يغنيك عن الدنيا. بهذا الحاسوب الخلوي، تجد بين يديك مكتبات الشرق والغرب. مئات ألوف الكتب، هل تريد الملايين؟ هي لك، مصوّرة كما هي في الطبعات الأصليّة. إذا رغبت في امتلاك نسخ منها، فسوف يعييك التنزيل. 
كم تستطيع أن تغرف من البحر بكوب؟ ذلك مثل البعوضة التي حطّت على نخلة، فلمّا أرادت أن تطير قالت: استمسكي يا نخلة فإنني أريد أن أطير. قالت لها: والله ما شعرت بك حين حططت، فكيف أحسّ بك وأنت ستطيرين؟ لكن، كم تستوعب غرفتك أو بيتك كله من الكتب لو كانت ورقية؟ ألفاً ؟ عشرة آلاف؟ خمسين ألفاً؟ لا تبالغ.
هاتفك المتحرّك أعجوبة. ماذا عن الموسيقى؟ حتى أهل الاختصاص مختلفون في عدد ألوانها. «سبوتيفاي»، الموقع الشهير، يتحدث عن 944 نوعاً. أهل الدراسات الموسيقية يرفعون العدد إلى 1300، ويذهب بعضهم إلى أنه 1505. أمّا أرقام الأعمال في كل نوع فتراوح بين بضع عشرات في موسيقى المجتمعات البدائية، كأدغال إفريقيا والآمازون والسكان الأصليين في أستراليا، والمليارات من الأغاني في القرن العشرين، مروراً بالملايين من الأعمال في الموسيقى السيمفونية منذ العصور الوسطى. 
غرفتك أعجوبة ساحرة، تبدو لا شيء فيها، لكن مجموعة من البنوك لا تستطيع شراء ما يملكه جوّالك من روائع الكتب والموسيقى وكل ما أبدعه الفنانون التشكيليون من اللوحات والمنحوتات عبر القرون.
ها نحن حططنا الرحال عند السؤال: ما الذي تدركه جنابك من معانٍ مدوّخة، لغرفة فارغة فيها هاتف نقّال في راحة يدك فيه العالم كله؟ عفواً، لقد اختصرنا ألف طريق أطول من ألف ميل.
 لم نتحدث عن أعمال الفن السابع والمسرح والعلوم والتاريخ والتقانة والأنثروبولوجيا وعلوم الكون والعلوم العصبية إلخ إلخ.. ألا يعني لك هذا أن الزمن تغيّر؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الإمهاليّة: المأساة هي أن تقول إنك لم تستعدّ لهذا الموقف، ولا تعرف ما المترتب على ذلك. خذ نومة سابعة أخرى.
[email protected]