عن قوانين اللجوء

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

قد لا ينتبه صانعو القرارات العرب لمشكلة تحولت إلى معضلة وتتمثل في اللاجئين، وعلى الرغم من خبرتهم الطويلة في هذا المجال وتجربتهم المريرة مع عناصره، إلا أن القوانين التي تمس حياة اللاجئين وتتعلق بمصائرهم لا تزال قاصرة إن لم تكن غير موجودة. فالعالم المتحضر سنّ قوانين دولية ودخلت مرحلة التنفيذ منذ عشرات السنين، وقسّم اللجوء إلى سياسي واقتصادي وإنساني وفكري، ما جعله وجهة مفضلة للاجئين نظراً لحرص القوانين على احترام إنسانيتهم، إلا أن العرب يتعاملون مع قضية اللاجئين بلا مبالاة من حيث التشريع، ما ينعكس وبالاً على حياتهم وحياة الأجيال التي نشأت في أماكن اللجوء، وهذا ما يستدعي تحركاً عاجلاً للنظر في واقع عشرات الملايين من اللاجئين الذين غادروا أوطانهم إما بسبب الاحتلال الإسرائيلي لمدنهم وقراهم، وإما بسبب معارك ما يسمى (الربيع العربي) وإما بسبب الحروب.
 ويتعامل العرب منذ سنوات طويلة مع قضية اللاجئين على أنها مؤقتة وطارئة ولا يقومون بمبادرات لإعادتهم إلى بلدانهم أو بخطط تحسين معيشتهم في أماكن لجوئهم، أو بدمجهم في مجتمعاتهم الجديدة. وبسبب هذه النظرة غير المسؤولة تنشأ أجيال أمّية أبجدياً، وأمية ثقافياً، وفقيرة اقتصادياً، وفي بعض الأماكن ينهشهم المرض والبرد والحر وتمثّل بهم الطبيعة والسلطات، حتى باتت مخيماتهم بؤراً للجرائم والانحراف والفساد والاتّجار بالبشر، بل تحولت بعض المخيمات إلى أمكنة سهلة لنشر التطرف وتخريج أجيال تتربى على العنف والحقد والتخلّف.
 إن أبرز قضية قد تخطر على بال المتتبع هي القضية الفلسطينية وما أنتجته من لاجئين انتشروا على مساحة الوطن العربي والعالم، وفيما يتعلق بالوطن العربي لا يزال التعامل معهم تعاملاً هامشياً أمنياً بوليسياً مرتبكاً وعدائياً في بعض الدول، وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعين عاماً، فإن مخيماتهم لا تزال على حالتها من الإهمال رغم الخدمات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي تتناقص يوماً بعد يوم وفق التقارير الصادرة عن الجهات المختصة والمتابعة لقضية اللاجئين.
 ويبدو أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تتعرض للنسيان والطمس مع المستجدات، فبعد احتلال العراق في العام 2003 بدأت موجات اللاجئين العراقيين في التزايد، وما كاد العراق يستقر حتى ظهر تنظيم «داعش» الذي تسبب هو الآخر بموجات جديدة من اللجوء الداخلي والخارجي، ولا يزال العديد من اللاجئين العراقيين يعيشون في مخيمات داخل وطنهم، ولم يفكر أحد بإنهاء ظاهرتهم، كما لم تفكر الدولة بإعادة اللاجئين الذين نزحوا إلى الأردن وسوريا على سبيل المثال وهم بعشرات الآلاف.
 أما قضية اللاجئين السوريين فهي الأسوأ، هناك ملايين اللاجئين خارج وطنهم سوريا، وملايين آخرين داخل الأراضي السورية وتشرف عليهم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية قدر استطاعتها، أي توفر لهم الخيمة والطعام والشراب، أما الحاجات الإنسانية الأخرى مثل المدارس والعلاج، فإنهم يعانون الأمرين بشأنهما.
 هنالك جيل كامل من اللاجئين نشأ في الغربة ويعاني عدم الاستقرار، لا الدول التي لجأ إليها تهتم به، ولا دولته توليه العناية المطلوبة، وبالتالي يُترك لقدره، يعاني أمراضاً نفسية وجسدية واجتماعية، إضافة إلى الغضب الذي يحبسه داخل نفسه وروحه ومرشح للانفجار في أي لحظة.
 نتمنى أن تتوقف الحكومات عن التفكير السلبي في قضية اللاجئين بجنسياتهم المختلفة، فلا تخشى من وجودهم ولا تمارس ضدهم العنصرية، ولا تحرمهم من العمل ولا تفرض عليهم ضرائب ورسوماً ترهق كواهلهم، وأن تفكر في كيفية الاستفادة منهم وتنمية مهاراتهم وتعليمهم وتهيئتهم للحياة وفق أساليب حضارية، ومحاولة دمجهم السلمي في المجتمعات إلى أن يتم حل مشكلتهم.
 نقول هذا الكلام لأن التعامل الحالي معهم يتناقض ومبادئ الإسلام السمحاء وقوانين الهجرة العالمية، ومع مبادئ منظمات حقوق الإنسان، وسكوت العالم عن الممارسات السلبية بحق اللاجئين ما هو إلا سلاح ذو حدين ويحمل بعض المكر في طياته، وقد يأتي اليوم الذي تفرض فيه الدول عقوبات على الدول التي لم تضع قوانين للهجرة، والدول التي تسيء معاملة اللاجئين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"