عادي
بدائع الكون في القرآن

الغازات والأتربة

00:24 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

أ.د.حميد مجول النعيمي

تسمى الغازات والأتربة بالمادة بين النجوم وتتجمع على شكل سحب منتشرة في مناطق مختلفة من المجرة وبين المجرات. وهناك وفرة من المادة بين النجوم وبين المجرات تمتد إلى آلاف السنوات الضوئية وتحجب ضوء النجوم البعيدة.

حميد مجول

من حسن الحظ يستطيع الفلكيون الرصد بأطوال موجية مختلفة غير مرئية تخترق الأتربة والغازات، وبعضها تكون مرئية بواسطة التلسكوبات مثل السدم، لأن جسيماتها الغبارية تكون عاكسة للضوء الساقط عليها (بالمقارنة بحجم المجرة، فإن النجوم التي نراها كنقاط تُكون حجماً صغيراً جداً بينما فضاء المجرة مملوء بهذه المادة التي تشغل تقريباً كل الحجم الفيزيائي للمجرة) 5% من كتلة الكون، 1% غبار وتراب (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) «فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ» سورة الحاقة (سورة رقم: 69)؛ آية رقم: 39 «وَمَا لا تُبْصِرُونَ» الحاقة 38، فالمادة الداكنة والحاجبة للضوء غير مرئية؛ لأنها ليست باعثة ولا عاكسة له، لكن اكتشف وجودها عن طريق قوى جاذبيتها على النجوم، وقد تحتوي على غبار وكواكب وغازات وأجرام في غاية التكدس والكثافة مثل الثقوب السوداء والأقزام البنية.

لا تعيش كل النجوم بمفردها مثل الشمس، فهناك نجوم ثنائية وثلاثية ورباعية وحشود نجمية صغيرة و كبيرة مرتبط بعضها بعضاً برباط الجاذبية المشتركة وتدور حول بعضها ومراكز ثقلها، وذلك يجعلنا نحصل على معلومات كثيرة عن هذه النجوم لا يمكن الحصول عليها من نجوم مفردة. وفي مواقع مختلفة هناك نجوم ولدت على شكل حشود نجمية بعضها حشود كبيرة يصل عدد نجومها إلى مئات الآلاف من النجوم وتصل أقطارها إلى مئات السنوات الضوئية.

«إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ» الصافات 6 «وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِير»ِ الملك 5. للنجوم دورة حياة تولد طاقة من خلال وقودها النووي وتستمر في توليد وتكوين الطاقة لحين انتهاء وقودها النووي. الشمس مثلاً، الآن بعمر 5000 مليون سنة تقريباً وهي في مرحلة توليد الطاقة من خلال الاندماج النووي الحاصل في مركزها وستستمر لغاية 5000مليون سنة أخرى تقريباً. وستموت الشمس بعد أن تمر بمرحلة انفجار نجمي لتبعث بمادتها داخل المجرة وتنتهي بما يسمى بقزم أبيض ثم تصبح بحجم الكرة الأرضية، وهكذا بقية النجوم تولد وتموت (تولد من مواد سديمية ترابية وغازية وتموت بعناصر ثقيلة وصلبة مكدسة)، كما في قوله تعالى: «اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» الروم 11.

وفي درب التبانة نجد موقع الشمس الذي يبعد عن مركز المجرة بحدود 30000 سنة ضوئية، ونشاهد كيف أن النجوم بمافيها الشمس تجري حول مركز المجرة «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» يس 38.

أقرب المجرات الصغيرة إلينا تبعد عنا 75000 سنة ضوئية باتجاه كوكبة الرامي، بعد هذه المجرة هناك مجرتان صغيرتان أخريان تبعد بحدود 160000 سنة ضوئية تدعيان بالسحابتين الماجلانية.

أقرب المجرات الكبيرة إلينا مجرة حلزونية تشبه مجرتنا موجودة في كوكبة المرأة المسلسلة وتدعى باسمها (مجرة المرأة المسلسلة) ويطلق عليها أيضاً M31 وتبعد بحدود 2.5 مليون سنة ضوئية.

إن مجرتي «درب التبانة» و«المرأة المسلسلة» جزء من حشد مجرى صغير مؤلف من 40 مجرة تقريباً تدعى بالمجموعة المحلية للمجرات، ونجد على بعد 10 إلى 15 مليون سنة ضوئية مجموعة مجرية صغيرة أخرى، ثم على بعد 50 مليون سنة ضوئية مجموعة مجرية كبرى مؤلفة من آلاف المجرات تدعى (حشد العذراء المجري) وتكون بعض الحشود المجرية حشداً مجرياً أكبر يسمى بالحشد المجري الكبير.

إن المجموعة المحلية للمجرات وكذلك حشد العذراء المجري جزء من حشد مجري كبير بقطر 60 مليون سنة ضوئية تقريباً.

كما أن هناك مجرات عدة خافتة تقع على مسافات بعيدة جداً عن المشاهدة عن المشاهدة ونجد أجراماً سماوية مثيرة للغاية تدعى «الكوازارات»، وهي مراكز مجرية لامعة جداً تصدر طاقات هائلة جداً غير اعتيادية، وتشير إحدى النظريات إلى وجود ثقب أسود ضخم جداً في مركزها يشفط المادة المجاورة له. وأينما تكون هذه الأجرام، فإن لمعانها الهائل يشير إلى أنها أبعد الأجرام السماوية التي يمكن مشاهدتها عند حافة الكون المرئي، فهي تسمح لنا برصد أجرام سماوية على بعد أكثر من 10 مليارات سنة ضوئية أي أجرام معمرة أكثر من 10 مليارات من السنين.

نتمكن من الرجوع إلى الماضي والتعرف إلى بدايات الانفجار الكبير (الفتق الكبير) للكون الذي يشير إلى بدايته من دراسة «الكوزارات»؛ إذ يتحسس الفلكيون فقط بنورانية الانفجار التي تملأ الكون وتصلنا من كل الاتجاهات في الفضاء. إن اكتشاف الأشعة الخلفية الكونية أكثر الاكتشافات إثارة في علوم القرن العشرين، ومازال الفلكيون مستمرين في استكشاف المدد الزمنية الأولى للكون.

يحتاج رصد ودراسة خواص المجرات والكوازارات البعيدة إلى تلسكوبات كبيرة ودقيقة مع أجهزة ملحقة حساسة في غاية التحسس والدقة، وهذه التلسكوبات تكون على أنواع بعضها أرضي وبعضها الآخر فضائي خارج الغلاف الجوي الأرضي بهدف الرصد بمختلف الأطوال الموجية للأشعة الكهرومغناطيسية، أي لابد من شمول مختلف الأطياف التي تبعثها أو تعكسها الأجرام السماوية المختلفة.

«وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» الحجر 14 و 15. على قدر سعة الكون الكبيرة جداً التي لا توصف بسهولة نجد قدراً فارغاً ومملوءاً بالفضاءات الغازية (فجوات من المواد الترابية والغازية والدخانية)؛ إذ إن الكون بمعدل 10000مرة أكثر فراغاً من مجرتنا، فالهواء الذي نستنشقه يحوي على ما يقارب 1019 ذرة لكل سم 3 ونحن حين نفكر بالهواء نتصوره فارغاً وفيه غازات المجرة بين النجوم، هناك ذرة واحدة تقريباً لكل سم 3.

من الصعوبة علينا أن نجد في فضاء بين المجرات ذرة واحدة في كل سم 3، لذلك نفتش في المتر المكعب الواحد، ففي غالبية مواقع الكون فراغ (فضاء جسيمي غازي) حتى في المواد المستخدمة من لدن الإنسان. مثلاً، أي كتاب نجد حتى الأجزاء الصلبة منه مركبة من جزيئات صغيرة جداً، ولو أخذنا جزيئية الماء لوجدناها تحوي ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين واحدة مرتبطة بعضها مع بعض فالجزئي مكون من ذرات، (هناك بحدود 100 نوع من الذرات (عنصر) موجودة في الطبيعة ولكن أغلبها نادر جداً). وأكثر العناصر وفرة في الكون هي الهيدروجين والهليوم والكربون والنيتروجين والأوكسجين والنيون والمغنيسيوم والسليكون والكبريت والحديد.

إن جميع الذرات مؤلفة من نويات مركزية موجبة الشحنة تحيطها إلكترونات سالبة الشحنة، ونويات الذرات تحتوي عادة على بروتونات موجبة وبروتونات متعادلة كهربائية، جميعها مرتبط بعضها ببعض في فضاء ضيق جداً، وكل عنصر يعرف بعدد البروتونات في ذراتها، لذلك فإن كل عنصر مثلاً ب 6 بروتونات في التربة يسمى بالكربون.

والمسافة بين النويات الذرية إلى إلكتروناتها بحدود 100000 مرة بقدر النوى نفسها، لذلك نقول إنه حتى المواد الصلبة فيها فراغ كبير، وإذا قارنا ذلك بالمجموعة الشمسية وجدنا أن المسافة بين الأرض والشمس بحدود 100 مرة أكبر من قطر الشمس.

اكتشف الفيزيائيون أن كل حدث في الكون، من أصغر جسيم إلى أكبر حشد مجري، يمكن أن يرصد من خلال تأثير 4 قوى فقط هي: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوتان النوويتان. 

وهذه القوى، بخاصة الجاذبية، مهمة في الكون بين الأجرام السماوية المختلفة لأنها تزود الكون بالتوازن (الميزان).

مدير جامعة الشارقة 

رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"