عادي
فقه الدولة

جنوح الأفكار المتطرفة.. ضحالة تكتفي بالتحريم

00:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

تسعى الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب والسيطرة على عقولهم عبر المتاجرة بالمفاهيم، من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. وتهدف هذه الجماعات لوضع الدين في مقابل الوطن لإحداث حالة من التشتت، وترسيخ مفاهيم مغلوطة، كأن الدين والوطن نقيضان، لضرب استقرار المجتمعات والتهوين من مكانة الأوطان، التي تعلي نصوص الشريعة الإسلامية منها، بل جعلت حب الأوطان جزءاً من عقيدة المسلم.

والمؤكد أن مواجهة هذه الجماعات تبدأ من تفنيد أكاذيبها ومتاجرتها بالدين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان أن فقهها يعتمد على فهم خاطئ للنصوص، وشائعات وأكاذيب، وأن هذه الجماعات تهدف لإحداث قطيعة متعمدة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وتهوين إنجازاتها بهدف تفكيكها وضرب استقرارها، فهذه الجماعات ترى أن كل ما يساعد على بناء الدولة يضعف كياناتها، لأنها لا تقوم إلا على أنقاض الدول.

الجنوح للتكفير عند الجماعات المتطرفة له أسباب متعددة، كما يلاحظ د.رجب سيف قزامل، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر منها كما ذكره بعض المعاصرين أن أفراد هذه الجماعات المتطرفة تفتقد التخصص، لأنهم لم يدرسوا الفقه وأصوله، ولم يتعلموا الفهم وطرق الاستدلال، ولا يعرفون الحال حين تواجههم أدلة متضاربة، بجانب التباس المفاهيم عندهم، وتقديم التحريم على غيره، والحماسة الشديدة مع قلة العلم. ويشير كذلك إلى عدم وجود مرجعية دينية يمكن أن تكون محل قبول من جميع الأطراف، وغياب تيار الاعتدال لدى هذه الجماعات، والجهل الشديد في هذه المسألة المهمة وهى معرفة الكفر في أدلة الوحي الشريف، والفرق بين الكفرين الأصغر والأكبر، واتباع الهوى والأغراض النفسية بتكفير المخالف وذمه، والقدح في عرضه بالكفر دون تبصر بالعلم، واتباع المذاهب والأقوال الشاذة.

ويلفت أيضاً إلى الأسباب الفكرية التي تؤدى للتكفير، ومنها الجهل وتجاوز الحد في فهم نصوص الشريعة الإسلامية، والتبعية والتقليد، والتصور الخاطئ، والإعداد الفكري والذهني الخاطئ، فضلاً عن تقصير بعض العلماء في القيام بواجب النصح والإرشاد والتوجيه، وكذلك الجهل بقواعد الإسلام وآدابه، واعتماد الشباب بعضهم على بعض دون الرجوع إلى العلماء، والانشغال بالمسائل الجزئية عن القضايا الكبرى، والضحالة الفكرية في فقه الدين، واتباع المتشابهات من النصوص وترك المحكمات وضعف البصيرة، والاعتماد على الفلسفة الكلامية العميقة.

كل هذه  الأسباب، حسب د. رجب سيف قزامل، تؤجج نار العنف والتطرف والإرهاب، بجانب العوامل الاجتماعية ومنها الفراغ والسلوك الشاذ، والدعوات والأفكار الهدامة، وكذلك عدم وجود القدوة الناصحة، وغياب التربية والقدوة الموجهة للأخلاق القيمة والصفات الحميدة، ونقص أو انعدام التربية الإيمانية القائمة على مرتكزات ودعائم قوية من نصوص الوحي.

وينبه إلى أن بعض المعاصرين يرون أن ما يسمى الحركات الجهادية هي إحدى أدوات الصراع الدولي وصناعته، وهناك من يستثمرها لتحقيق أهداف بعض الدول الإقليمية ومصالحها، وسياسات بعض القوى التي تعمل على ضرب الإسلام بنفسه من داخله، عبر مكوناته الدينية والمذهبية والعقائدية، وذلك بتفجير صراع طويل يستنفد طاقات المنطقة وإمكاناتها ومواردها الطبيعية والبشرية، ويعيدها إلى عصور الجاهلية، الأمر الذي يتطلب مواجهة شاملة وتعاوناً من جميع الجهات والتكاتف خلف الدولة الوطنية ومؤسساتها، والعمل على توعية الشباب لحمايتهم من فكر الجماعات المتطرفة، التي تسعى لتجنيدهم ضد أوطانهم، عبر المتاجرة بالمفاهيم المغلوطة.

ويطالب بمواجهة فكرية عبر وسائل الإعلام والتواصل، للرد على أفكار الجماعات الإرهابية أولاً بأول، وإزالة الشبهات التي حالت دون وجود أعضائها ضمن أفراد الدولة المسالمين، الذين لا يعتدون على أرواح الآخرين أو أموالهم، لأن الشريعة الإسلامية أمرتهم بالحفاظ على الأنفس والأموال وعدم الفساد في الأرض. ويشير إلى أن كثيراً من الأفكار المغلوطة يسهل الرجوع عنها بعد بيان وإيضاح ما يتعلق بشأنها من جانب أهل العلم والاختصاص.

احترام كرامة الإنسان

يؤكد د.رجب سيف قزامل أن عظمة الإسلام بدت في احترامه لكرامة الإنسان، لافتاً إلى قول الله سبحانه وتعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» الآية 70- سورة الإسراء. ويقول:من الأصول التي حافظ عليها الإسلام حفظ النفس والدين والمال والعقل والعرض، وحرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على الآخرين بقتل الأنفس بغير حق، لأن ذلك إفساد في الأرض، وكما حافظت الشريعة الإسلامية على الأنفس، دعت إلى حفظ العقل والمال والعرض، وقبل ذلك كله حافظت على الدين، حتى يعيش الإنسان في حرية عقيدته التي اختارها، وهو مسؤول أمام الله عن اختياره، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الآية (99) سورة يونس.

ويضيف: حفلت آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الشريفة ببيان ما يتعلق بجوانب حياة الإنسان مع أخيه الإنسان، الموافق له في العقيدة، والمتغير له فيها، لكن الأخطاء التي يقع فيها بعض المنتسبين للإسلام تكون في معظمها بسبب تفسير بعض الآيات بعيداً عن سياقها، والأحكام المسبقة الخاطئة.

التربية على المواطنة والواجبات

يوضح د. رجب سيف قزامل أن مواجهة الفكر التكفيري تتطلب تفعيل التربية على المواطنة والواجبات، فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالبيئة والمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك لا بد من خطط لتأهيل الشباب اجتماعياً ووطنياً وأخلاقياً، بما يخدم المثل العليا في الحياة ويرفع من قيمة الإنسان، وضرورة التدريب على بناء مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم في المجتمع، كما أن تأمين التعليم الإلزامي والمستمر للجميع في المجتمعات العربية والإسلامية، سيشكل حلاً متقدماً يجنب مستقبل الأجيال القادمة آفات كثيرة، كذلك فإن انتهاج سياسة تربوية وتعليمية ودينية لخلق جيل قادر على التحليل والمناقشة استناداً إلى العقل والمنطق والواقع، وليس ارتكازاً على العصبية والعواطف والأفكار المسبقة، يؤدي للقدرة على التفكير الصحيح والمحاكمة العقلية، بدلاً من الارتماء الأعمى في أحضان العصبيات المذهبية التي تولد الأفكار المتطرفة، والتي تنتهي بتكفير المجتمع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"