ظاهرة مستفزة

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

سؤال يراودني كل عام، ويلح بشدة هذا الموسم الرمضاني لأنه مرتبط بأمر تحوّل إلى ظاهرة «مستفزة» تزيد وتكبر بلا أي مبرر. لماذا صارت السيجارة بطلة أولى ومشتركة في أغلبية المسلسلات؟، لماذا يكثر عليها الطلب من قبل المخرجين وكأنها جزء أصيل من القصة وعنصر شريك في الدراما وإكسسوار ضروري جداً ليقتنع المشاهد بواقعية ما يراه على الشاشة؟. 
التأليف والكتابة يفرضان رسماً معيناً لكل شخصية، لا يكون مكتملاً إلا بوجود التفاصيل الصغيرة فيها، ماذا تحب وماذا تكره، عاداتها، يومياتها، علاقاتها. نفهم أن يكون وجود المخدرات والكحول مرتبطاً بطبيعة الشخصية وتصرفاتها ويعكس في الغالب فكرة الإدمان وتأثيره في الإنسان، فيتحكم في تصرفاته وعلاقته بالآخرين، لكن ما الذي تعكسه السيجارة؟، ولماذا الإصرار على وجودها والأبطال والبطلات لا يظهرون إلا والسيجارة باليد والتدخين بشراهة كمن يتعمد إغراء المشاهدين ودفعهم إلى التدخين وكأنه «مفيد للصحة»، ورمز للبطولة والشهامة والجرأة والقوة.
النساء منافسات للرجال ليس في التمثيل فقط؛ بل في التدخين. طبيعي أن تعكس الدراما الواقع بكل تفاصيله الصغيرة لتبدو قريبة من حياة الناس بقدر كبير، لكن ليس طبيعياً أن نرى هذه الهجمة على التدخين ونحن نعلم جيداً مدى تأثير الدراما على جمهورها، لا سيما فئة الصغار والشباب الذين يتخذون من النجوم المحبوبين  في نظرهم  قدوة، يقلدونهم وأحياناً يتأثرون بهم فيقتنعون بأن التدخين من إكسسوارات الأبطال والمشاهير، وكل ما يفعلونه صائب، ويعكس مدى نضج هذا الشخص وعنفوانه، أما بالنسبة للبطلات، فيحسب هؤلاء أن السيجارة تعكس تحرر المرأة وقوة شخصيتها وقدرتها على اتخاذ القرارات والتفكير بعمق. 
السيجارة ليست ظاهرة حديثة أو دخيلة على الشاشة، فأفلام زمان كانت لا تخلو من مشاهد التدخين وتناول الكحول، إنما كانت مربوطة دائماً بالشخصية المنحرفة أو الشريرة أو المتمردة.. ونادراً ما كانت تظهر في المسلسلات، باعتبارها رفيقة كل الناس من كل الأعمار وتدخل كل البيوت وتؤثر في العائلات، وليس فقط الأبناء والبنات. 
أما اليوم فصارت الإكسسوار الأول واللافت، والحضور الدائم في كل المَشاهد لدرجة أنك تشعر بالاختناق وكأن دخانها ورائحتها ينفذان من الشاشة إلى أنفك ورئتيك مباشرة. فهل المسلسل بلا سيجارة صار ضرباً من الخيال؟ وهل عين الرقابة تغفو وتغط في نوم عميق أمام كل مظهر قد يؤذي الصحة ويعكس صورة وهمية وخاطئة عن شكل وصفات البطل والبطلة في أذهان الشباب والصغار، طالما أنه لا يشكل خطراً على الأمن والسياسة؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"