رَشّة ملح

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

مثلما عرف العالم طريق الحرير بشقّيها الشمالي والجنوبي في أوروبا بدايةً من الصين، كذلك، عرف الملح قبل حوالي عشرة آلاف عام، ولم يكن تجار طريق الحرير يحملون الحرير فقط، بل، كانوا يحملون الملح أيضاً، وسيكون الملح ذات يوم ليس أغلى من الحرير فقط، بل، وأغلى من الذهب.
الصينيون أول من عرفوا الملح، ولكن قبل ذلك عرفته الحيوانات التي كانت تلعق تلك الصفائح الصخرية اللامعة، وتشبع حاجتها من اليود من خلال تلك الحجارة المالحة.
تعلم الإنسان من الحيوان كيف يتذوّق الملح، وشيئاً فشيئاً أصبح يبحث عنه، ويقتنيه، ويتاجر به، ويحارب من أجله ويؤسطره، وذلك ربما لأن الإنسان أخذ يدرك القيمة الاقتصادية الكبيرة للملح، فضلاً عن أنه أصبح مكوّناً يوميا ثابتاً في طعامه.
لكي تكتمل فكرة الخلود عند المصري القديم، كان لا بد أن يتعلم التحنيط، وهكذا احتاج إلى الملح لا ليأكل هذه المرة، بل، لكي يفرّغ أحشاء الإنسان الذي ينوي تحنيطه، أي تخليده، ويملأه بالملح.
يكتشف الإنسان أن الملح يحفظ طعامه من الفساد والتعفّن والميوعة، فيقدّد اللحم والسمك ويشبعه بالملح، ويصنع التوابل والمخلّلات والأطعمة الحرّيفة اللذوعية المشهّية، وفي كل هذه الصناعات المنزلية كان لا بد من الملح.
يتاجر الإنسان بالملح، بعدما تأكد له أن كل مطبخ لا بد له من خزين من الملح والتوابل والبهار والمحرّشات الشهوية الأخرى التي لا يمكن أن تبتعد عن «سلطة» الملح.
يصبح الملح في دورات اقتصادية قديمة أغلى من الذهب، وتنشب من أجله حروب بين إمبراطوريات الشمال والجنوب والشرق والغرب، وإن لم تكن حروب الملح على مستوى إمبراطوريات، فستكون على مستوى جيوش وملوك.. وبحسب كمال قدورة (في الشرق الأوسط 1 أغسطس 2015)
بالاستناد إلى تاريخ الملح واقتصادياته، وحروبه، وأساطيره، فإن الجنود الرومان كانوا يقبضون معاشاتهم بعض الأحيان بالملح، وكان للملوك مطاحن ملح خاصّة بهم، وكان الجلوس إلى جانب الملح شرفاً خاصاً بصاحبه.
في 1930 قاد الزعيم الهندي المهاتما غاندي مسيرة أطلق عليها مسيرة الملح كجزء من مقاومته المدنية السلمية لبريطانيا، وقطع مسافة تقدّر بقرابة 520 كيلو متراً نحو بحر العرب على مدى 24 يوماً أدّت إلى احتجاجات شعبية هندية واسعة ضد بريطانيا.
عند بعض الشعوب رشّ القليل من الملح على خشبة المسرح لطرد الشيطان، والاعتقاد نفسه موجود عند اليابانيين، فيذكر الباحث الأمريكي مارك كيرلانسكي في كتابه «تاريخ الملح في العالم» ترجمة: أحمد مغربي، أن اليابانيين كانوا يرشون الملح على مصارعي السومو وهم في الحلبة لحمايتهم من الأرواح الشريرة، والفتاة المقبلة على الزواج عليها، قبل النوم، أن تأكل الطعام المملّح «لكي ترى عريسها المقبل في حلمها يعطيها ماءً ترتوى به».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"