هذا مكان الأخ

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

الأخ الكبير في بناء الأسرة ذو مكانة مهمة وحساسة، لأن دوره جوهري وحيوي، ولأنه يتمتع بروح مختلفة، فهو أكثر تفهماً لحاجات إخوانه وأخواته، لأنه من جيلهم، ويدرك اهتماماتهم وحاجاتهم، لذا يقوم بدور يشبه همزة الوصل مع الأب، الذي يهتم بالأسرة ككل، ويوفر الاستقرار، ونحوه، من المهام الرئيسية.
وتعظم مهمة الأخ أمام أخواته تحديداً، فهنّ يرينه السّند لهنّ، وأكثر من يتفهم حاجاتهن، ويقف معهن في مختلف الظروف الحياتية. وكما هو معروف، فإن الأب والأم يصبحان في مرحلة عمرية متقدمة، ويبدأ الأخ تدريجياً بالقيام بمهام وأدوار الأب، وهذا ملاحظ في كل مجتمع، وهذا يعطي الأخ مكانة مهمة ومؤثرة في حياة شقيقاته. وعندما يكون هذا الأخ على قدر المسؤولية، ومحباً وباذلاً، فإن شقيقته تفتديه بحياتها، بل قد تصل إلى أن تختاره قبل الزوج والولد. والبعض قد يعتبر في هذا مبالغة، وأنه لا يمكن أن يحدث، لكن التاريخ يبلغنا أن هذا وارد، وبين أيدينا قصة معروفة ومتداولة تدل على مكانة الأخ في قلب أخته، حيث يقال إنه وقع بين يدي الحجاج بن يوسف الثقفي، ثلاثة رجال كان يطلبهم، ويسعى للقبض عليهم، وقد تمكن منهم، فألقى بهم في السجن تمهيداً لقتلهم، وكان كلما دخل لمجلسه لاحظ عند الباب امرأة واقفة، فسأل عمّا تريده، فقالوا: تريد لقاءك، فأمر بأن تدخل لمجلسه، وسألها عن حاجتها، فقالت: إن ابني وزوجي وأخي مسجونون لديك، وقد أمرت بقتلهم، وإني ألتمس عفوك عنهم، وكانت تشير للثلاثة، فقال لها: لن أفجعك فيهم الثلاثة، لكن اختاري أحدهم، وسأعفو عنه، وأطلق سراحه.
 وقد كان الحجاج ومن في مجلسه، على ثقة بأنها ستختار ابنها فلذة كبدها، أو على الأقل زوجها، لكنها فاجأت الجميع عندما اختارت أخاها، فسألها عن سبب اختيارها لأخيها، فأجابته بكلمات ذهبت مثلاً في العلاقات الاجتماعية، حيث قالت: «أما الزوج فهو موجود، وأما الولد، فهو مولود، وأما الأخ فهو مفقود». وهي تقصد أنه بدلاً عن الزوج يمكن أن تجد زوجاً آخر، وبدلاً عن الولد يمكنها إنجاب ابن آخر، لكن الأخ مفقود، لأن لا بديل له، فأبوها وأمها متوفيان.
وغنيّ عن القول، أن قولها ذهب مثلاً وحكمة، أما الحجاج، وقد أذهلته الإجابة وأعجب برجاحة عقلها، فقرر إطلاق سراحهم جميعاً، لكن المعنى من القصة هي مكانة الأخ في قلب أخته، وهي مكانة ليست بالهيّنة.
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"