القدس في اليونيسكو

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

في غمرة الأجواء الروحانية والاحتفالية بمناسبة عيد الفصح وعيد البشارة، وحلول شهر رمضان المبارك، لم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد المقدسيين ومقدساتهم، ولا سيما الإسلامية، حيث تستمر الحفريات في مدينة القدس القديمة وأسوارها. في هذه الأجواء تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) قراراً بالإجماع في 15 أبريل/نيسان الجاري خلال دورة المجلس التنفيذي للمنظمة وصدر برقم 211 الذي نص على «تسمية المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد».

أعاد قرار اليونيسكو تأكيد أن جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني، لاغية وباطلة، وطالب إسرائيل بالتوقف عن انتهاكاتها وإجراءاتها الأحادية الجانب وغير القانونية.

جدير بالذكر أن المجلس التنفيذي لليونيسكو أصدر 19 قراراً خلال السنوات المنصرمة بشأن هذه الإجراءات التي استهدفت القدس، وسعت إلى تغيير معالمها والتصرف في تراثها، الذي هو تراث إنساني يخص البشرية جمعاء. ومن هذه القرارات، القرار رقم 2234 الصادر عام 2016، حيث أدرجت فيه 55 موقعاً تراثياً على قائمة المواقع المعرضة للخطر، ومنها البلدة القديمة للقدس وأسوارها.

كما أن لجنة التراث العالمي هي الأخرى كانت قد أصدرت 10 قرارات خاصة بالقدس عبرت فيها عن فشل السلطات «الإسرائيلية» في وقف أعمال الحفر، وإقامة الأنفاق، والأعمال غير القانونية والمدانة في القدس الشرقية، والتي تتعارض مع قواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي، وخصوصاً اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة في 12 آب/أغسطس 1949، وملحقيها الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية الصادران عن مؤتمر جنيف 1974  1977، وهي جزء من منظومة القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب وقوانين حقوق الإنسان.

وكان القرار رقم 2334 قد أكد ضرورة التقيد الصارم بالالتزامات والمسؤوليات القانونية، مذكراً بقراراته السابقة بشأن التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، التي تشمل إلى جانب تدابير أخرى، بناء المستوطنات وتوسيعها ونقل المستوطنين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين الفلسطينيين.

ويأتي قرار اليونيسكو الأخير لتثبيت مكتسبات القرارات السابقة، حيث طالب بالإسراع في تعيين ممثل دائم للمديرية العامة في البلدة القديمة للقدس لرصد جميع الإجراءات.

وكانت القوات الإسرائيلية قد صعدت اعتداءاتها على المسجد الأقصى والموظفين العاملين فيه، حيث قامت في الأسبوع الأول من رمضان، بقطع أسلاك سماعات المسجد الخارجية والتعرض لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وتخريب أقفال الأبواب، كما سمحت بإدخال عدد من المتطرفين إلى المسجد الأقصى بحماية الشرطة، ومنعت المصلين من الوصول إليه لأداء الصلاة فيه، كما نصبت الحواجز والمتاريس على بوابات البلدة القديمة واعتدت على المقدسيين المدنيين العزل.

وتشكل هذه الانتهاكات والخروق السافرة والصارخة، تحدياً لإرادة المجتمع الدولي وللقوانين الدولية ولقرارات الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو، لا سيما لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 الخاص بمحاولة إسرائيل، ضم القدس الصادر في 18 آب/أغسطس 1980.

إن قرار اليونيسكو الأخير يعبر بصورة واضحة لا لبس فيها أو غموض، عن إدانة المجتمع الدولي الصريحة لتلك الانتهاكات وتثبيت الحقوق السياسية والدينية للشعب العربي الفلسطيني وللمسلمين والمسيحيين، وبقية أتباع الديانات في القدس، لما تشكل من رمزية تاريخية وحضارية.

وبذلك تكون فرصة جديدة للرأي العام الدولي، حكومات ومنظمات مجتمع مدني وهيئات شعبية، لكي ترفع صوتها تضامناً ومساندة للعدالة.

وفي هذا الإطار، لا بد من جهد عربي مشترك وتعاون وثيق مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، وأصدقاء فلسطين وكل من يناصر قضايا حقوق الإنسان، لكي تجد قرارات اليونيسكو، ومجلس الأمن الدولي، طريقها إلى التنفيذ العملي، بحيث تكون رادعاً في المستقبل ولضمان عدم تكرارها؛ لأنها تمس صميم حقوق المسلمين والمسيحيين الدينية والتاريخية والأثرية والرمزية، وهو أمر يشمل جميع الأعيان الثقافية، فإضافة إلى القدس، فإنه يشمل الخليل وبيت لحم، وغيرها من المدن الفلسطينية.

ولأن اليونيسكو كمنظمة معنية بالتربية والعلم والثقافة لا تمتلك جهازاً تنفيذياً قادراً على فرض قراراتها بقوة «الشرعية الدولية» حتى وإن كانت تعبر عن ضمير المجتمع الدولي، ولا سيما في ما يخص القدس، فإن الأنظار تتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كي يقوم بواجبه المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"