التطرف والفضاء الرقمي

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان الأوروبي لإزالة المضامين ذات الطابع الإرهابي من المنصات الإلكترونية في غضون ساعة، خطوة تأخرت بعض الوقت، وكان يفترض أن تكون فاعلة منذ سنوات، وليس انتظار تطبيقها العام المقبل. فأمام خطر جرائم المتطرفين لا يجب التلكؤ أو انتظار الظروف السانحة، خصوصاً بعد أن تحول الفضاء الرقمي إلى ميدان لاستقطاب المتطرفين والإساءة إلى الأديان وإشعال الفتن بين الحضارات والطوائف، والتحريض على سفك الدماء والعمل على تقويض استقرار المجتمعات.

الاتحاد الأوروبي، الذي عانت أغلبية دوله جرائم إرهابية شنيعة، يعمل على إعداد ترسانة قوانين ولوائح تسمح بسد الفجوات في الفضاءات الرقمية وحماية الشباب من الاستقطاب إلى شتى أنواع الجرائم ومهاوي الضياع. فمنذ انتشرت وسائط التواصل وأصبحت عابرة للأوطان والحدود والخصوصيات، بات القلق متزايداً من إساءة استخدام تقنية المعلومات والاتصالات على أيدي الإرهابيين، خاصة الإنترنت والتقنيات الرقمية الجديدة، لارتكاب أعمال إرهابية أو التحريض عليها أو التجنيد لها أو تمويلها أو التخطيط لها.

هذا القلق نصت عليه أكثر من لائحة دولية، لاسيما بعدما ثبت أن الفضاءات الرقمية كانت المكان النموذجي لتعارف المتطرفين والتخطيط للجرائم وإغواء الفئات الهشة اجتماعياً ونفسياً عبر الرسائل والصور ومقاطع الفيديو، وهناك آلاف سقطوا ضحايا تحت هذه السطوة الإرهابية، والأدلة على ذلك كثيرة، ويكفي التذكير بما كان يفعله تنظيم «داعش» الإجرامي، الذي استطاع أن يقيم «دولة» في العالم الرقمي، وجلب العناصر من مختلف القارات والمناطق، ومازال خطره ماثلاً حتى الآن. 

في الغرب أيضاً، هناك مجموعات متطرفة تمارس الإرهاب والجريمة، كما حدث في الكونجرس قبيل حفل تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن، وفي أوروبا هناك تحريض خطير يمارسه اليمين المتطرف ضد المختلفين معه، خصوصاً من المسلمين والمهاجرين.

وبالنسبة إلى الدول الأوروبية فإن استشراء كراهية الأجانب يضرب أمنها القومي في الصميم، ويأخذها في طريق عكس قيم التعايش والوسطية التي تتبناها الحكومات وتحاول الدفاع عنها في كل محفل ومنبر. وواقع الحال أن الغرب يحس بخطورة هذه المعضلة، ولذلك لن يكون مستبعداً أن تكون قضيته الأساسية بعد التحرر من جائحة كورونا، فالتهديد يمس جوهر الأمن الجماعي، ويتطلب رده توظيف أجود التقنيات الحديثة لحماية البنية التحتية الحيوية ومكافحة مخاطر الإرهاب والقرصنة الإلكترونية.

تحقيق الأهداف الأمنية الاستراتيجية يتطلب جرأة في وضع القوانين والضوابط وملاحقة مصادر الخطر، فقبل يومين درست الحكومة الفرنسية مشروع قانون يسمح للسلطات بفرض رقابة شاملة واستخدام أرقى ما وصلت إليه إبداعات الذكاء الاصطناعي لمعالجة بيانات الاتصال المشبوهة وتفكيك شيفرات «الصناديق السوداء» في العالم الرقمي لمعرفة الوسائط المشبوهة. 

طالما أن العالم منفتح على بعضه، فإن الاختراق متاح لمن يمتلك التكنولوجيا الأحدث، وهو وضع غير سليم على الإطلاق، ويفرض مراجعة وإعادة بناء على أسس من العدالة والشفافية واحترام الحقوق والخصوصيات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"