خواطر في عجائب المزامنة

01:44 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تذكر الحديث أمس عن عدم وجود أيّ مجتمع بشريّ لا موسيقى له؟ لكن، لماذا؟ ههنا حطّ الرحال. كانت الإجابة تنتظر بزوغ العلوم العصبيّة. عجيب هذا العالم، كل شيء فيه علم في علم، «ولكن أكثر الناس لا يعلمون».
 مجلة «العلم والحياة» الفرنسية (29 إبريل) يسّرت الشرح. كان المتصوّر، لدى التخصصات ذات العلاقة، أن فئة من أنواع المخلوقات قادرة على الإحساس بسرعة الإيقاع وتسارعه، بينما الإيقاع وليد مزامنة (سنكرونيزيشن) تنشأ في الخلايا العصبيّة!
تأمّل مزامنة خطى الجنود، إيقاع الأقدام في الدبكة وأيّ رقص جماعي، طرقات سوق النحاس.. متعة أن تشاهد في «يوتيوب» مزامنة «رونان أسد البحر» إيقاع أغنية بسرعات مختلفة. مع كل تسارع تزداد سرعة حركات رأسه في مزامنة مذهلة.
من أين جاء هذا الإحساس العجيب؟ لماذا حظيت به كائنات دون غيرها، فصارت تُزامن حركات أجسامها مع سرعة الإيقاع؟ الجواب كان يحتاج إلى بحوث واختبارات طويلة على الدماغ في العلوم العصبيّة. ثبت أن الاتصالات بين الخلايا العصبيّة قائمة على الإيقاع والمزامنة. بعبارة أخرى: أدركت الخلايا العصبيّة أن عددها (مع تدوير الرقم) مئة مليار خليّة، لا يسمح لها بالنشاط المنفرد، فوضى. تخيّل مئة ألف جندي، كل واحد له إيقاع خطاه. لا بدّ من النظام والانتظام. هكذا، منذ بداية وصول الموسيقى إلى المناطق السمعية والبصرية في الدماغ، تحدث المزامنة في نشاط الخلايا العصبيّة، ثم تنتقل المزامنة فوراً إلى الخلايا العصبيّة المسؤولة عن حركة الأعضاء في الجسم، فتتحرك اليد أو القدم أو الرأس كرقّاص الساعة الحائطية، أو بعضها معاً، أو الجسم بكامله في الرقص!! حركة مجموعة كبيرة من الخلايا العصبيّة تتحول إلى ما يشبه الموجات، لهذا يشعر الشخص بأن تياراً يحمله.
ما هو السرّ الفيزيائي؟ لكل شيء ترددات معيّنة، وتلك المزامنة تلعب دور دوزان الأوتار ومزامنة الآلات. الدماغ يكره النشاز. حين يتجلى عبد الباسط عبدالصمد في جواب مقام الراست، يتجاوب معه الحاضرون في مزامنة جواب الراست: الله. هل تلقوا دروساً مكثفة في هذا؟ الأفضل أن يعود القلم إلى هذا الموضوع، إن شاء الله، ففيه عجائب فالمزامنة فطريّة، قلْ كونيّة، ومنذ الأيام الأولى في دماغ الوليد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفلسفية: حين فكّر فلاسفة اليونان في موسيقى الأفلاك، لم يكونوا يعلمون أن محرّك فكرهم كان خلايا عصبيّة في الدماغ.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"