مخاطر الحرب بين روسيا وأوكرانيا

01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

منذ أن انفجرت الأزمة الأوكرانية في فبراير/شباط 2014 بدأت الدول الغربية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، بتصعيد لهجتها ضد روسيا متهمة إياها بمحاولات تهديد استقرار أوكرانيا. وسرعان ما اتخذ التصعيد الكلامي شكلاً آخر، حيث انقطعت حبال الود التي جمعت لفترة قصيرة بين الطرفين، وتوقف عقد المجالس المشتركة، وألغيت عضوية روسيا من مجموعة الدول السبع الكبرى. وبدأت الدول الغربية باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضدها، وخاصة بعدما نجحت في مارس/آذار من نفس العام بسلخ شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، وضمها إليها باعتبار أن هذا الإقليم هو في الأساس تابع لها، وأنه آن الأوان لعودته. 

 وفي أعقاب ذلك فرضت دول الغرب حزمة أولى من العقوبات شملت تجميد أصول، وحظر سفر بعض الأشخاص الروس والأوكرانيين إلى الدول المشاركة في العقوبات، بحجة علاقتهم بالأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى تجميد محادثات بين الغرب وروسيا حول ملفات عسكرية وأخرى تتعلق بالاستثمارات. وأعلنت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن تعليق مباحثات انضمام روسيا للمنظمة؛ وذلك بعد أن حدثت الفتنة في أوكرانيا وانقسام الشعب الأوكراني على خلفيات عرقية ومذهبية، وقام نظام أوكراني جديد معادٍ لروسيا. واستغلت روسيا من جانبها الفتنة ودفعت الروس في شرقي أوكرانيا إلى التمرد، ما أدى إلى وقوع حرب أهلية داخل أوكرانيا.

واستمر التوتر بين الدولتين منذ ذلك الوقت، وحاولت روسيا أن تتفاوض مع أوكرانيا لتتجنب الصراع معها، لكن القيادة الأوكرانية كانت تصر على مواقفها المتمثلة في التقارب مع الغرب والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتعتبر روسيا ذلك شيئاً خطيراً عليها نظراً لكون أوكرانيا دولة «محاذية» لها قد تستغلها الولايات المتحدة لإقامة محطات رادار للتجسس على كل بقعة داخل أراضيها. 

 وفي عام 2018 فتحت روسيا جسر القرم الذي يربط شبه الجزيرة بالبر الروسي الرئيسي عبر بحر أوزوف، وقد هددت أوكرانيا بتدمير الجسر فاحتجزت روسيا ثلاث سفن حربية أوكرانية قالت إنها كانت في مياهها الإقليمية، كما فرضت قيوداً على دخول السفن الأوكرانية إلى بحر أوزوف ما جعل هذا البحر تحت السيطرة الروسية وأصبحت مدينة ماريو بول الأوكرانية مطوقة وكادت أن تقع حرب بين الدولتين آنذاك. وفي العام الماضي حدث أمر خطير تمثل في تدخل عسكري تركي لصالح أذربيجان الأمر الذي مكن هذه الأخيرة من استعادة مدينتين في إقليم كاراباخ، ولم تستطع روسيا الحليفة لأرمينيا أن تفعل شيئاً بل اكتفت بترميم الموقف وعقد هدنة بين الدولتين. وبدأت بعض الدول بتوريد السلاح إلى أوكرانيا بمعرفة حلف شمال الأطلسي، ما دفع روسيا إلى حشد قواتها على حدود أوكرانيا الشرقية والشمالية. وفي مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس الأوكراني فولو ديمير زيلينسكي قال الرئيس الأمريكي «إن الولايات المتحدة لن تتراجع عن دعمها لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهات العدوان الروسي المستمر في دونباس والقرم». وأرسلت الولايات المتحدة عدة سفن حربية إلى البحر الأسود ما جعل من الحرب بين روسيا وأوكرانيا وشيكة، ذلك أن أوكرانيا لن تتراجع عن مشاريعها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهذا الأمر لن تقبل به روسيا مطلقاً، خصوصاً أن أوكرانيا ظلت لعقود عديدة جزءاً من الامبراطورية الروسية ومن الاتحاد السوفيتي، كما أن قرب أوكرانيا من روسيا سوف يسهل على الغرب اختراقها وتخريبها. وتنظر روسيا إلى نفسها كقوة عالمية عظمى لا تقبل أن تتعرض للذل ولا أن تتحول دولة صغيرة محاذية لها إلى منصة للحرب عليها. ومن هنا فإن أوكرانيا إذا لم تتراجع عن سياستها فإن روسيا ستقوم على الأغلب بغزوها، كما فعلت من قبل مع جورجيا، ولن يستطيع الغرب أن يفعل شيئاً، واذا ما تدخلت دول أخرى، فإن الحرب ستتحول إلى حرب عالمية لأن الصين ستتدخل آنذاك إلى جانب روسيا. 

 ومن هنا، من المرجح أن يقوم الغرب بالتضحية بأوكرانيا من أجل إنقاذ السلام ومنع وقوع كارثة عالمية جديدة؛ وذلك لقناعة الغرب بأن روسيا دولة عظمى ولن تؤثر فيها العقوبات بشكل يخضعها لإملاءات الغرب، خاصة وهي من خلال علاقتها مع الصين وباقي دول «بريكس» تستطيع أن تشق لنفسها طريقاً يجنبها أذى العقوبات الغربية، ويجعل من تلك العقوبات سلاحاً مصوباً ضد مستخدميه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"