يوم العمال في زمن «كورونا»

01:43 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

في مقالة تعود إلى عام 1894، ونُشرت لأول مرة باللغة البولونية، قالت الناشطة الشهيرة روزا لوكسمبورج إن فكرة اختيار يوم عالمي للعمال، وتحويله إلى مناسبة للضغط على أصحاب الأعمال والمشرعين والحكومات من أجل الحصول على يوم عمل بثماني ساعات فقط، انطلقا أول مرة في أستراليا، حين قرر العمال هناك، سنة 1856، تنظيم يوم للتوقف الكامل عن العمل تأييداً لهذا المطلب. ومع أنهم لم يفكروا حينها أن تكون المناسبة سنوية، وإنما تقتصر على العام الذي أقيمت فيه، فإن الأمور تطورت لاحقاً، بطريقة جعلت هذا اليوم عالمياً وسنوياً، أقرّته لاحقاً المنظمات الدولية المعنية.
على خطى عمال أستراليا، قرر العمال الأمريكيون، بعد ثلاثين عاماً، وبالتحديد في عام 1886، أن يكون الأول من مايو/ أيار يوم توقُّفٍ كاملٍ عن العمل. وفي ذلك اليوم، ترك 200 ألف منهم عملهم، مطالبين بيوم عمل ذي ثماني ساعات أيضاً.
مع الوقت أصبح إحياء هذا اليوم بصورة سنوية تقليداً راسخاً في غالبية بلدان العالم، ويتراوح هذا الإحياء بين بعض المظاهر الكرنفالية في حالات معينة، والتحركات الاحتجاجية على سوء أوضاع العمال، والمطالبة بتحسين أوضاعهم، وصون ما حققوه من مكتسبات تصبح عرضة للمراجعة والتراجع عنها عند نشوء أي صعوبات أو أزمات.
نحن اليوم في الأول من مايو، يوم العمال العالمي. إنها السنة الثانية على التوالي التي تحلّ فيها هذه المناسبة في ظروف «كورونا»، ونالت المناسبة ما نال سواها من آثار سلبية، ليس فقط لجهة تعذر تنظيم الاحتفالات والمهرجانات والمؤتمرات المحلية أو الدولية التي تقام عادة في هذا اليوم، بالنظر إلى تعذر تنظيم الاجتماعات الواسعة بسبب ظروف الجائحة، وإنما لأن الجائحة نالت من جوهر القضية التي كرّس هذا اليوم لتسليط الضوء عليها، وتوحيد الجهود من أجل بلوغ ما يتطلع إليه عمال العالم، بناة اقتصاد البلدان بسواعدهم وأدمغتهم.
من التحديات الجديدة التي فرضتها الجائحة تحوّل كثير من العاملين بأجر إلى العمل من منازلهم، وهي ظاهرة لم تغطها التشريعات العمالية في غالبية بلدان العالم، فليس كل الشركات والمؤسسات تغطي كلفة الإنترنت والكهرباء وغيرها من خدمات يحتاجها هؤلاء لأداء عملهم، وقد يضطر بعضهم للعمل ساعات أكثر من التي اعتادوها حين كانوا يعملون من مكاتبهم، ناهيك عن الضغوط النفسية الناجمة عن المكوث الطويل في المنازل، والخوف من شبح البطالة مع تقلص الأعمال، بسبب التحول المتنامي نحو الرقمنة والمستجدات والتحولات غير المسبوقة التي يشهدها عالم اليوم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"