«ثلاثية» العزة والكرامة

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

«القاهرة: كابول»، «هجمة مرتدة»، «الاختيار 2»، ثلاثة مسلسلات تتجاوز تقليدية الدراما التي سئمناها، ثلاثية ليست نتاج خيال جامح، ولا أي منها فانتازيا تخفي وراءها إسقاطات، ولا هي حكايات انتقام وبلطجة دموية مما تعج به شاشاتنا، ولكنها دراما واقعية، وأحداثها حقيقية عشنا فصولها سوياً، وفضحت مستور المتآمرين علينا الذين خططوا لتدمير منطقتنا، وإسقاط دولنا، ومحو هويتنا، واستغلوا سذاجة بعض أبنائنا ممن ارتضوا أن يكونوا أدوات لهم لتحقيق المخطط ونشر الفوضى في شوارعنا، وتخريب مدننا، وإثارة الفتنة بيننا، واستباحة دمائنا، وتفسير نصوص ديننا السمح بما يخدم نواياهم الخبيثة. 

 المسلسلات الثلاثة، هي ثلاثة خطوط كأنها مرسومة لتحديد خريطة الإرهاب وخيوطه المتعددة، والمتشابكة؛ هي ملاحم للعزة والكرامة، تفضح الإرهاب، وصنّاعه، ومموّليه، ومروّجيه وأدواته، وأيضاً تكشف لهم أننا أمة غير قابلة للفناء، وإذا كان بيننا قليل من الخونة وتجار الدين وباعة الأوطان، فبيننا الكثير ممن يقدمون أرواحهم فداءً للوطن، وللقيم، ولصحيح الدين. عقيدتهم راسخة بأن الحياة لا تساوي شيئاً مقابل أن يبقى الوطن مرفوع الهامة كي نورثه للأبناء والأحفاد وهو في عزة وشموخ، الأمر الذي يفرض خوض معارك مع المتربصين به، سواء من أعداء الداخل، أو الخارج، وقطع أيدي من يحاولون النيل من أفراده، ومكتسباته. 

 المعركة ضد الإرهاب، بدأت منذ سنوات بعد أن سعى صنّاعه لضرب العرب اقتصادياً بملاحقة السيّاح، وإشعال الفتنة بتفجير الكنائس، وضربنا اجتماعياً، وتفتيتنا أسرياً، والتشكيك في عقيدة الذي لا ينتمي إليهم، وإسقاطنا سياسياً بما أطلقوا عليه ربيعاً، ونجحوا في إسقاط بعض دولنا العربية، ولكن مصر كانت الصخرة التي تحطمت عليها أحلامهم، ويخوض حماة الوطن من رجال جيشها وشرطتها معركة منذ سنوات نجحت في أن تقطع دابرهم، وإن كانت لا تزال لهم ذيول ستنكشف وتتساقط تباعاً في المقبل من الأيام؛ وبهذه المسلسلات الثلاثة تشارك الدراما المصرية في المعركة لكشف مستور أفكارهم المريضة وفضح المخطط الكبير، وأبعاده، بفكر درامي جامع يعرض الحقائق ويترك الحكم للمشاهد. 

المسلسلات الثلاثة يكمل بعضها بعضاً، حيث يرصد «القاهرة: كابول» المؤامرات التي تعرضت لها المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية من خلال أربعة أصدقاء تشاركوا الطفولة والبراءة والتعليم، واختلفوا في الحلم، وفرقتهم الأيام ليجتمعوا بعد ٣٠ سنة، وأصبح منهم ضابط الأمن المعتدل والحامي للوطن، والإعلامي الانتهازي، والمتطرف الذي يكفّر المجتمع والأقربين والساعي لأن يكون خليفة المسلمين، وهو هارب إلى جبال أفغانستان ليطلق من هناك وهمَ دولة الخلافة، ويستبيح دم أقرب الناس إليه، ومن أوائل ضحاياه صديقهم الرابع المخرج السينمائي، رغم أنه كان يستهدف الضابط إلا أنه تباهى بقتله. 

 بعض الشخصيات واقعية بأسماء غير واقعية، فشخصية الإرهابي تتطابق شكلاً ونهجاً وسلوكاً مع شخصية أسامة بن لادن، ومعه تابعه بملمح الظواهري، وبلغة المنطق وبمقارعة الحجة بالحجة، وبالصورة المعبرة يفضح المسلسل أفكار «القاعدة»، و«داعش»، ودور بعض وسائل الإعلام في الترويج لها. 

 مسلسل «هجمة مرتدة» قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية، يكشف أن ما تعرضت له المنطقة خلال العقد الأخير كان مخططاً له منذ الثمانينات، وأن إسقاط العراق كان الانطلاقة لإسقاط المنطقة وتنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة، وأدوات التنفيذ هي المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام المشبوهة، والدول الممولة، وأن من يملك المعلومة هو من يستطيع حماية أمنه القومي، وأن الوعي هو الوسيلة لإنقاذ هذه المنطقة مما تحوكه لها أجهزة مخابرات كبرى. 

ولعل مسلسل «الاختيار 2» هو الأكثر وضوحاً وواقعية وشفافية في هذه الثلاثية، حيث إنه دراما توثيقية تمزج بين المشاهد الحقيقية والمشاهد التمثيلية، والدراما فيه ليست سوى إطار جاذب لتوصيل حقيقة ما حدث في مصر بعد عزل مرسي، وإسقاط حكم الإخوان، كما أن الشخصيات حقيقية، وقد تم تغيير النادر من الأسماء لأسباب أمنية حيث يشغلون حالياً مناصب حساسة.

ثلاثة مسلسلات شديدة الأهمية تقدمها مصر في هذا الموسم، لتكون بمثابة ثلاثية العزة والكرامة التي تفضح الأفكار الإرهابية الخبيثة وتكشف النوايا الشيطانية التي تستهدفنا جميعاً وتتطلب منا اليقظة والوعي والسعي وراء المعلومة للحفاظ على أوطاننا وهويتنا ومكتسباتنا، وتسليم هذه الأوطان للأجيال المقبلة وهي أكثر ازدهاراً واستقراراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"