«زركش».. إلى القلب مباشرة

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

نجيب زاهي زركش، هل أحببناه لأنه يحيى الفخراني، أم لأنه ثمرة لقاء الثلاثي الذي لم يجتمع مرة إلاّ وكان النجاح حليفهم: الفخراني الأب والابن (المخرج شادي) والكاتب عبد الرحيم كمال؟ لقاء الثلاثي دفعنا بلا شك إلى حجز مقاعدنا لمشاهدة المسلسل منذ الحلقة الأولى، وإن بدت هذه البداية بطيئة سردية نوعاً ما، إلا أن المسلسل نهض سريعاً وبدأ رحلة صعوده ليصير أحد أفضل أعمال هذا الموسم، والسحر فيه يبقى مرهوناً بعبقرية يحيى الفخراني في الأداء، وجمال الكلمات التي يحيكها عبد الرحيم كمال لتتسلل إلى القلب مباشرة.
كالعادة، ما من مرة قدم فيها يحيى الفخراني عملاً كوميدياً إلا وجسّد الكوميديا المغمسة بالتراجيديا، حيث يكون الهدف تقديم الواقع بخفة ظل ملحوظة، فتطغى الابتسامة على الدمعة، ونضحك ونبكي ونتأثر ونصدّق ونصفّق.
يخرج عن الإطار التقليدي للحكايات الاجتماعية التي تتناولها كثير من المسلسلات، يضع الأب ودوره وصفاته ومعنى الأبوة في إطار جميل، يعرّج على العلاقات الأسرية والاجتماعية وحياة المثقفين والعنصرية الطبقية وهموم وأحلام الشباب. لا ينسى في لفتة جميلة أن يعيدنا إلى الزمن الجميل ليقدم تحية تقدير لمؤسسي السينما المصرية والفنانين الأوائل ويذكرهم بالاسم ويعرض بعض صورهم. يعشق الأصالة ونعشقها معه، ينزل من هذا الماضي ومن القصر إلى حيث الحاضر والناس البسيطة والأحياء الشعبية وجلسات المثقفين والشعراء على المقاهي، مع احتفاظه بخيط الطبقية والنظرة البرجوازية لدى شيرين التي تجسدها بدقة أنوشكا، الشقيقة المتعالية المتباهية بنسبها ونسب زوجها المرحوم. شيرين ونجيب يجسدان الوجهين المتناقضين لعملة واحدة أو لطبقة واحدة.
نجيب يحب «الفرفشة» ويتعامل بطيبة وبساطة مع الجميع. جلساته المسائية  للشراب هي جلسات البوح التي يسمح فيها لأحلامه وأمنياته بكسر القواعد ونزع الحواجز والقيود التي تكبله في النهار. صراعه مع مشاعره وخوفه من دخوله تجربة الأبوة لأول مرة وهو السبعيني الذي عاش حراً متحرراً طوال عمره، يزيد من جمال القصة ومضمونها. أما يحيى الفخراني فهو الحكاية التي تحبها أياً كان مضمونها، وتكتفي بتأمل تفاصيلها لتعيش معها وكأنها قطعة منك.
ميزة هذا الرجل أنه يلبس الشخصية فتصير روحه ويصير هو الجسد الذي تتحرك من خلاله. وميزته أنه يملك القدرة على الخروج من الشاشة في كل دور يقدمه ليأخذك من يدك إلى عالمه وأحلامه، بل تصير أنت مرآته أو توأمه، تضحك لضحكه، تغضب لغضبه، تبكي لمجرد أن ترى الدموع في عينيه. ولو عدت بذاكرتك قليلاً إلى مسلسل «ونّوس» ودور الشيطان الذي جسّده، تعرف أنك مسحور بهذا الرجل الذي جعلك تحبه بكل حالاته وتقلباته حتى وهو خبيث وشيطاني الفكر والدهاء، ودائماً تزداد انبهاراً بأدائه وموهبته.
«نجيب زاهي زركش» دراما مختلفة، اجتماعية عائلية تبرز معنى الأبوة بتركيبة خفيفة ودسمة في آن، وبقالب يستقي جماله من رؤية شادي الفخراني المميزة دائماً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"