هل يكون تغير المناخ سبباً في توهج سلعة النفط من جديد؟

22:43 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد

تضع الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC)، ومعها مئات مؤسسات البحث والدراسات، وأوساط مناخية وبيئية عالمية واسعة، ومعظم دول العالم، (باستثناء الدول المنتجة للنفط والفحم والغاز)، معظم اللوم في تردي الحالة المناخية العالمية، على الوقود الأحفوري. وبسبب انبعاثات هذه الغازات، خصوصاً غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يشكل نحو 70% من مجمل الانبعاثات، ازدادت وتيرة ونطاقات الكوارث الطبيعية التي تشهدها مختلف مناطق العالم. ومن هذه الكوارث ذوبان الجليد في القطب الشمالي (Arctic). إنما في الجانب الآخر، من شأن هذا التطور المناخي، أن يعيد النفط إلى سابق عهد توهجه، وهذه المرة عبر خدمة يقدمها له تغير المناخ نفسه.
فقد أدت ظاهرة تغير المناخ بالفعل، إلى تغيير الوضع جذرياً، في القطب الشمالي من الكرة الأرضية التي بقيت لآلاف السنين منطقة عذراء لم تطلها، ولم تمسسها يد الإنسان. حيث راحت درجات الحرارة ترتفع هناك بشكل أسرع من أي مكان آخر على هذا الكوكب، ما أدى إلى ذوبان أجزاء من الأغشية الجليدية الصلدة، وبالتالي خلق فرصة للاستغلال والاستثمار التجاري لمياه وجزر المنطقة التي لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق. وكان تم سابقاً اكتشاف احتياطيات مهولة من النفط والغاز الطبيعي في المناطق البحرية التي كانت مغطاة بالجليد معظم أيام العام، ولم تعد كذلك الآن. كما ظهرت فرص تعدين جديدة في جزيرة جرينلاند (أكبر جزيرة في العالم، تقع بين منطقة القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، على مساحة تبلغ 2,166,086 كيلومتراً مربعاً، تابعة للدانمارك). لهذا اتجهت أنظار الولايات المتحدة مؤخراً، خصوصاً في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، نحو القطب الشمالي باعتباره ساحة رئيسية لمنافسة القوى العظمى في المستقبل، بتوفرها على كنوز من الخامات والمعادن والموارد الطبيعية، يأتي على رأسها النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والزنك وخام الحديد والذهب والماس، ومعادن الأرض النادرة. ومن المفارقة أن تغير المناخ، أو «أزمة المناخ»، التي سببها الاحتباس الحراري، هو ما سبّب مثل هذا التدافع على ثروات المنطقة. فيصبح مفهوماً، والحال هذه، إيعاز مؤسسة الحكم الأمريكية إلى الرئيس السابق، دونالد ترامب، لطلب شراء جرينلاند من الدنمارك التي استهجنت العرض ورفضته. فالجزيرة تتوفر على موارد طبيعية وفيرة، وهي أصلاً مقر لقاعدة عسكرية أمريكية تم تحديثها مؤخراً.
وكان التدافع على موارد القطب الشمالي بدأ في وقت مبكر من هذا القرن عندما بدأت شركات الطاقة الكبرى في العالم، بقيادة شركة «بريتيش بتروليوم»، وإكسون، موبيل، وشل، وعملاق الغاز الروسي جازبروم، بالتنقيب عن احتياطيات النفط والغاز في المناطق التي تعذر الوصول إليها في السابق بسبب الجليد البحري. واكتسبت هذه الجهود زخما جديداً في عام 2008، بعد أن نشرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقريراً بعنوان تقييم الموارد المحيطة بالقطب الشمالي، أشار إلى أن ما يصل إلى ثلث النفط والغاز غير المكتشفين في العالم يقع في مناطق شمال الدائرة القطبية الشمالية. وقيل إن الكثير من مخزونات الوقود الأحفوري غير المستغل يقع تحت مياه القطب الشمالي المجاورة لألاسكا (أي الولايات المتحدة)، وكندا وجرينلاند (التي تسيطر عليها الدنمارك)، والنرويج وروسيا، أي ما يسمى ب«أقطاب القطب الشمالي الخمسة».
ويعتقد العديد من العلماء الآن، أنه من المرجح أن ترتفع درجات الحرارة خلال النهار في فصل الصيف في مناطق إنتاج النفط في الشرق الأوسط، لتصل في المتوسط ​​إلى 120 درجة فهرنهايت (نحو 48.9 مئوية) بحلول عام 2050، ما سيجعل العمل البشري في الهواء الطلق متعذراً إلى حد كبير. كما أن من الممكن للأعاصير الأكثر عنفاً، والعواصف الاستوائية الأخرى التي تمر فوق مياه المحيط الأطلسي وخليج المكسيك متزايدة الاحترار، أن تعرِّض للخطر استمرار عمل الحفارات البحرية هناك، (وهذا ينطبق على مناطق الحفر الأخرى المعرضة لمثل هذه العواصف). وما لم تتحول البشرية إلى أنواع وقود بديلة بحلول ذلك الوقت، قد يُنظر إلى القطب الشمالي على أنه المصدر الرئيسي للوقود الأحفوري في العالم، ما سيؤدي حتماً إلى تصعيد الصراع الدولي للسيطرة على موارده الحيوية.
لكن، كان ذلك إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، التي وضعت خطة خصيصاً لاستعادة ريادتها العالمية من خلال استثمار ثروات القطب الجنوبي من النفط والغاز. فكيف يا تُرى سيكون مصير هذه الخطة في ظل إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"