مدارس بلا تلاميذ

01:13 صباحا
قراءة دقيقتين

العمل من المنزل لم يبدأ مع جائحة «كورونا»، فقد سبقها بسنوات، وربما بعقود، ولكن الجائحة جعلت منه ضرورة، لتفادي الاختلاط بين الموظفين، وتحقيق أقصى ما يمكن من شروط التباعد الاجتماعي.
محقاً، علّق أحد الأصدقاء على مقالي المنشور، قبل أيام، حول التحديات التي فرضها العمل من المنازل، قائلاً: إنه إذا كان بوسع أصحاب الوظائف المكتبية أو الإدارية، التحول إلى العمل من المنازل، فإن عمال المصانع والمعامل ليس بوسعهم أن يفعلوا ذلك، حتى في ظروف الجائحة.
السؤال الآن: ماذا بعد السيطرة على الجائحة، كما يطمح الجميع وإليه يسعون، هل يعود كل من تحوّلوا إلى العمل من منازلهم إلى مكاتبهم التي هجروها فترة الجائحة، خاصة وأن شركات كثيرة أغلقت بعض مكاتبها توفيراً لكلف الإيجارات الباهظة وفواتير الانترنت والكهرباء وغيرها؟
الأرجح أنه لن يتم ذلك بشكل تلقائي، وقد لا يتم أصلاً في الكثير من الحالات، فالشركات التي وفرت الكثير جراء تسيير أعمالها من المنازل، لن تعيد موظفيها إلى المكاتب من جديد، وستفضل أن يبقوا حيث هم، كما أنها لن تعيد إلى الخدمة من استغنت عنهم فترة الجائحة، بسبب تقلص الأعمال، لأن العمل نفسه يمكن أن يدار، من المنازل، بعدد أقل من العاملين، وعلى العالم التهيؤ للتكيف مع ذلك، ومع إدارة المعاملات عبر العالم الرقمي.
الجائحة أنشات أيضاً ظاهرة جديدة أكثر دقة وحساسية من العمل من المنازل، هي التعلّم عن بعد، وأدى ذلك ضمن ما أدى إلى تحمّل الأمهات الجزء الأكبر من الأعباء والمعاناة، فإغلاق المدارس واعتماد آلية التعلم عن بعد دفعا نساء كثيرات إلى ترك وظائفهن أو خفض ساعات عملهن، لتضاف أعباء كبيرة على ما كنّ أصلاً يتحمّلنه من رعاية للأطفال والعمل المنزلي قبل الجائحة.
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن واحداً من كل خمسة تلاميذ تقريباً على مستوى العالم، أي ما مجموعه 320 مليون تلميذ، لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة في بداية الشهر الماضي، وإن هذه تشكل زيادة بنحو 90 مليوناً عن نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مشيرة إلى أن العالم يتحرك، بسرعة كبيرة، في الاتجاه الخاطئ، ومن معوقات التعلم عن بعد ضعف الأوضاع المعيشية لجزء كبير من السكان وعدم وصول تغطية الإنترنت إلى كل المناطق في بلدان كثيرة، وكذلك ضعف كفاءة الكادر التعليمي في التعامل مع التقنيات الرقمية.
كالعمل من المنازل، بات التعلم من المنازل أمراً واقعاً، وأضيفت إلى معادلة «تلاميذ بلا مدارس»، معادلة نقيضة: «مدارس بلا تلاميذ».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"