عادي
قراءات

«الدهشة»..مفتاح الفلسفة

23:52 مساء
قراءة 3 دقائق
1702
الشارقة: علاء الدين محمود
هل خلت حياتنا من الدهشة، خاصة مع التطور الكبير الذي يشهده عصرنا الحالي في شتى المجالات؟ لكن علينا قبل ذلك أن نجيب عن سؤال ما هي الدهشة؟ وما هي الأشياء التي تثير التعجب لدى الإنسان؟ وهل يرتبط ذلك الفعل دائماً بعنصر المفاجأة من الجديد والغريب والعجيب الذي يصادفه المرء أو يثير انتباهه؟ وللإجابة عن تلك الأسئلة لابد من تتبع تحديدات وتعريفات وضعها مختصون، ولعل من أكثرها انتشاراً ذلك الذي يشير إلى أن الدهشة هي شعور يتجلى في الإنسان عند حدوث أمر لم يكن يصدق أنه سيحدث معه في يوم من الأيام أو في حياته، أو رؤيته لشيء يعتبره غريباً ومختلفاً.
يرتبط الشعور بالتعجب دائماً بلغة معينة للجسد، وهي تلك المتمثلة في الحركات اللا إرادية كارتفاع الحواجب والتجاعيد الأفقية في الجبهة وفتح الفم، وهناك تعريف آخر يقترب من عوالم الفكر والفلسفة، وهو الذي يرجع الدهشة إلى حالة تنبه ذهني ويقظة يتكثف فيها التأمل والتركيز، وهي حركة أو شعور مفاجئ يباغت المرء عند الانتباه لظاهرة، أو فكرة ما، أو أي شيء يثير دهشته، فتلمع في ذهنه أسئلة حوله، لكن ما هي الدهشة الفلسفية؟
في كتابها «الدهشة الفلسفية... تاريخ للفلسفة»، تأخذنا الكاتبة والمفكرة الفرنسية جان هرش، إلى عوالم طريفة من المفارقات والمفاجآت التي صنعت نظريات في الفلسفة، فالمؤلفة لا تسعى نحو كتابة تاريخ للفكر؛ بل تبحث في منعطفات معينة، وفلاسفة محددين، وذلك ما وضحته بالقول: «لا يسعني هنا أن أقدم عرضاً يكاد يكون شاملاً عن الفلسفة، وإنما سأختار متعمدة بعض الأسماء، بعض منعطفات التفكير، بعض اللحظات المميزة؛ حيث تعمل نظرة جديدة أو نظرة ساذجة على إثارة بعض الأسئلة الجوهرية التي ما تنفك تطرح نفسها، مهما عملنا على مجانبتها وحجبها بالثرثرة والابتذال، أن نندهش، تلك هي الخصيصة المميزة للإنسان، وهذا العمل سعى لبعث تلك الدهشة، وفيه سيعرف القارئ، قدرته على الدهشة»، ومن الواضح أن الكاتبة سعت إلى رصد مواقف معينة، كانت الدهشة فيها حاضرة، قادت إلى أطروحات واكتشافات فلسفية.
الكتاب يتناول بطريقة مبسطة التعريفات التي ذكرها فلاسفة كبار حول الدهشة؛ حيث إن هناك شبه إجماع بينهم على أن التعجب من الظاهرة المعينة هو اللحظة الأولى للاكتشاف الفلسفي حولها؛ حيث إن الدهشة عند المفكرين تعني انتقال الفكر من حالة السكون إلى حالة الحركة، الحالة التي تعرف بتوقد الذهن، ويقظة الفكر، ومن خلالها ينتقل الإنسان خطوات نحو البحث والاستكشاف بصور متعددة، من ابتكار السؤال، وليس انتهاء باكتشاف النظريات والأفكار، فبالنسبة لأفلاطون نجد أن الدهشة هي أصل المعرفة، هي تلك المهارة أو الفن الذي يؤدي إلى التحقيق في المبادئ الأولية، فمن خلال هذا الشعور تبدأ عملية البحث عن الحقيقة، فالدهشة هي التي دفعت المفكرين إلى البحث عن إجابات لفهم ما يحيط بهم من أجل إيجاد المعنى في وجوده.
ويرى أرسطو، أن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، فحيرة المرء أمام ظاهرة معينة جعلته يتأمل فيها ويبحث عن أصلها حتى يكتشفها. ويتوقف الكتاب عند العديد من المواقف حول «الاستغراب»، و«التعجب»، لدى مفكرين قدامى ومعاصرين، فقد تناول هايدجر كذلك مفهوم الدهشة بعمق شديد وطور كثيراً في ما ذهب إليه أرسطو، فهو يقول: «إن جميع الأشياء مغطاة بضباب يجعلها غير مبالية أو غير شفافة للإنسان وعندما يحدث كشف مفاجئ لشيء ما، تظهر حينها الدهشة»، أما لودفيج فيتجنشتاين، فقد تناول مفهوم «الحيرة» والتي منها تبدأ كل الأسئلة الفلسفية، بالتالي نجد أن الدهشة ظلت ملازمة لعملية التفلسف، حتى تسللت إلى القاموس الفلسفي، وصار هناك ما يعرف بـ«الدهشة الفلسفية»، وذلك يعني بطبيعة الحال أن هنالك تاريخاً للمصطلح، وما تفعله المؤلفة في الكتاب هو متابعة ذلك الأمر؛ حيث أن تاريخ الفلسفة هو تاريخ الدهشة، أي ذلك الشعور بالتعجب الذي سرعان ما يحوله المفكر إلى سؤال فلسفي يدعوه إلى البحث عن الحقيقة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"