عادي

عذب الكلام

23:50 مساء
قراءة 3 دقائق
1701

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربية، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطبُ العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكرِ المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

التّطْريزُ: أنْ يكونَ صَدْرُ النّثْرِ أو الشِّعرِ مُشتملاً على ثلاثةِ أسماءَ مُختلفةِ المعاني، ويكونَ العَجْزُ صفةً متكررةً بلفظٍ واحدٍ، وسمّاهُ بعضُ عُلماءِ البَلاغة «التّوْشيع»، كقولِ ابن الرّومي:

أُمورُكُمُ بَني خاقانَ عِنْدي

عِجابٌ في عِجابٍ في عِجابِ

قرونٌ في رُؤوسٍ في وُجوهٍ

صِلابٌ في صِلابٍ في صِلابِ

وقولِ أبي تمام:

أعوَامَ وَصْلٍ كانَ يُنْسِي طُولَها

ذكْرُ النَّوَى فكأنَّهَا أيَّامُ

ثُمَّ انْبَرَتْ أَيَّامُ هَجْرٍ أَرْدَفَتْ

بِجَوىً أَسىً فكأنَّها أعْوَامُ

ثمَّ انقضتْ تلك السُّنونُ وأهلُها

فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ

دُرَرُ النّظْم والنّثْر

من كتابِ «المُسْتَطْرف» للأبْشيهي: أَرْبَعَةٌ تؤدّي إلى أَرْبَعَةٍ: الصَّمْتُ إلى السَّلامةِ، والبِرُّ إلى الكَرامَةِ، والجودُ إلى السّيادةِ، والشُّكر إلى الزِّيادةِ. مَنْ ساءَ تَدْبيرُهُ بَطلَ تَقْديرُهُ. الغِرّةُ (الغَفْلة) ثَمَرَةُ الجَهْلِ. آفَةُ القُوّةِ اسْتِضْعافُ الخَصْمِ.آفَةُ النِّعَمِ قَبيحُ المَنّ. آفةُ الذّنْبِ حُسْنُ الظّنِّ. الحَزْمُ أسَدُّ الآراءِ والغَفْلةُ أضَرُّ الأعْداءِ.

مَنْ قَرَّبَ السَّفَلةَ واطَّرَحَ ذوي الأَحْسابِ والمُروءاتِ اسْتَحَقَّ الخِذْلان.الصَّمْتُ حِرْزٌ، والصِّدْقُ عِزٌّ.

خَيْرُ النّوالِ ما وَصَلَ قبْلَ السُّؤالِ. مَنْ رَضِيَ مِنْ نَفْسِهِ بالإساءَةِ شَهِدَ على أصْلِهِ بالرَّداءةِ. مَنْ ساءَ خُلُقُهُ ضاقَ رِزْقُهُ. لا تُسِئ إلى مَنْ أحْسَنَ إلَيْكَ، ولا تُعِنْ على مَنْ أنْعَمَ عَلَيْك. مَنْ كَثُرَ ظُلْمُهُ واعْتِداؤهُ قَرُبَ هَلاكُهُ وفَناؤهُ. مَنْ سَلَّ سَيْفَ العُدوانِ أُغْمِدَ في رأْسِهِ. صَمْتٌ تَسْلَمُ بِهِ خَيْرٌ مِنْ نُطْقٍ تَنْدَمُ عَلَيْهِ. مَنْ قالَ ما لا يَنْبَغي سَمِعَ ما لا يَشْتهي. اللّسانُ سَيْفٌ قاطعٌ لا يُؤْمَنُ حَدُّهُ، والكلامُ سَهْمٌ نافذٌ لا يُمْكِنُ رَدُّهُ.

من أسرار العربية

اختلفَ اللُّغويونَ قديماً وحَديثاً في حَقيقةِ وُجودِ «التّرادُفِ» في اللُّغةِ؛ عَرَبِيَّتُنا دقيقةٌ بِمُفْرداتِها وألْفاظِها. فالتّرادُفُ لُغةً هو: التّتابُعُ. واصْطلاحاً: ما اخْتَلفَ لَفْظُهُ واتَّفَقَ مَعْناهُ، أو هُو إطْلاقُ كَلماتٍ عدّةٍ، على مَدْلولٍ واحِدٍ. مثلُ: الأسدُ والسَّبُعُ واللّيْثُ وأُسامةُ، بِمَعْنىً واحِدٍ. وكذلك: الحُسامُ والمُهَنّدُ والسّيْفُ واليَمانيُّ، بِمْعنىً واحِدٍ. والشَّهْدُ والعَسَلُ والحَميتُ وريقُ النَّحْلِ بِمْعنىً واحِدٍ.

وهناكَ من يقولُ إنّ للسَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْ ألْفٍ اسْمٍ، وللأَسَدِ خَمْسَمئةٍ.. وكثيرٌ غَيْرُهما، ولكن هناكَ لُغويّون شدّدوا على أنّ «أسماء» السّيْفِ والأَسَدِ وغَيْرِهِما، غَيْرُ مُترادفِةٍ وإنّما هي صِفاتٌ؛ ف«السّيْفُ» هو الاسمُ، والباقي صفاتٌ، مثل الحُسامُ، أي القاطعُ، والمُهنّدُ المَصْنوعُ في الهِنْدِ، واليَمانيُّ، المَصْنوعُ في اليَمنِ. وكذلك «الأسدُ»، هو الاسمُ، والأخرى، صِفاتٌ، فتكونُ في وَجْهِه ومِشْيتِهِ؛ فالغَضَنْفرُ والغُضَافِرُ صفةٌ، بِمَعْنى الغليظِ الجُثّة، وقدْ تُطْلقُ على الرّجُلِ أيضاً. وغَضْفَرَ الشيءُ: ثَقُلَ. والقَسْورَةُ منَ القَسْر؛ يَقْسِرُ الفَريسةَ: يأخُذُها بِقوّةٍ.

هفوة وتصويب

يقولُ بعْضُهم «اسْتَأذَنَ الموظّفُ مِنْ رَئيسِهِ»..وهي خطأٌ والصَّوابُ «اسْتَأذنَ رئيسَهُ»، لأنّ «اسْتأذنَ» يتعدّى بِنَفْسهِ. وفي «لِسان العرب»: أَذِنَ بِالشَّيْءِ إِذْناً وَأَذَناً وَأَذَانَةً: عَلِمَ. وَيُقَالُ: أَذِنْتُ لِفُلَانٍ فِي أَمْرِ كَذا، وكَذَا آذَنُ لَهُ إِذْناً. وَآذَنْتُهُ: أَعْلَمْتُهُ؛ قَاْلَ الحارثُ بنُ حِلّزة:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ

وَأَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إِذْناً: أَباحَهُ لَهُ. وَاسْتَأْذَنَهُ: طَلَبَ مِنْهُ الْإِذْنَ.

ويقولُ آخرون:«لا يَجِبُ أنْ تفعلَ كذا»..، وهي خطأ؛ والصَّوابُ: «يَجِبُ ألّا تَفْعلَ كذا»؛ لأنّ «الوجوبَ» لا يُنْفى، فنَفْيُهُ يَعني جَوازَهُ. ووَجَبَ الشَّيْءُ يَجِبُ وُجُوباً: لَزِمَ.

من أمثال العرب

قالوا سَكَتَّ وَقَد خُوصِمتَ قُلتُ لَهُم

إِنَّ الجَوابَ لِبابِ الشَرِّ مِفتاحُ

والصَمتُ عَن جاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ

وفيهِ أَيضاً لِصَونِ العِرضِ إِصلاحُ

أَما تَرى الأُسدَ تُخْشى وَهِيَ صامِتَةٌ

والكَلبُ يُخْسى لَعَمْري وَهوَ نَبّاحُ

الأبيات لأبي عبدالله الشافعيّ، يدعو فيها إلى التعقّل والتروّي في مُعالجةِ المُشكلاتِ.. ففي كثيرٍ منَ الأحْيانِ، يكونُ الصّمتُ أبلغَ مِنْ أيّ كلامٍ، وخَيْراً في امتصاصِ الغضبِ، وأكثرَ دفعاً للشُّرورِ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"