إدارة بايدن واستثمار نفط القطب الجنوبي

22:11 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، خطة شرسة، أعلنها وزير خارجيتها مايك بومبيو في سبتمبر/أيلول 2019، تتحدث بصراحة عن عزم واشنطن استثمار ثروات القطب الجنوبي من الوقود الاحفوري والمعادن الأخرى التي تزخر بها المنطقة. وفي مايو/ أيار 2019، قاد بومبيو وفداً أمريكياً إلى الاجتماع الأخير لمجلس القطب الشمالي (Arctic Council)، الذي أنشئ في عام 1996 والذي عقد في فنلندا؛ حيث لم يستطع الوزير كبح جماح رغبة بلاده، بصورة لا لبس فيها، في السيطرة على الموارد المستقبلية لقارة القطب الشمالي. وقبل أن تنتهي ولاية دونالد ترامب بنحو شهر واحد، أعلن الرئيس السابق أن إدارته ستبيع حقوق التنقيب في المحمية الوطنية للحياة البرية في القطب الشمالي في المزاد العلني، وتم تحديد موعد البيع يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، ضارباً بذلك عرض الحائط، معركة مريرة استمرت لعقود حول ما إذا كان يجب الحفر في السهل الساحلي الممتد لمساحة تبلغ 19 مليون فدان، والذي يقطنه سكان القبائل الأصلية، إضافة إلى الوعول (جمع وعل) والدببة القطبية والحيوانات والحياة البرية الأخرى. فقد أعطت إدارة ترامب الأولوية لفتح الأراضي للاستثمار الأحفوري. ولو فاز ترامب بولاية ثانية، لكان تغير المناخ قد أسدى خدمة عظيمة لسلعة النفط وأعاد لها وهجها من جديد. لكن من فاز جو بايدن، جاء بفريق معروف بمعاداته المسبقة للوقود الأحفوري، لاسيما النفط والفحم، ومنهم خاصة نائبته كامالا هاريس، ووزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم، والمفوض الأمريكي الخاص بقضايا المناخ وزير الخارجية السابق جون كيري.

وبالفعل فقد أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن يوم الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021 (أي نفس يوم تنصيب الرئيس)، تعليقاً مؤقتاً لتصاريح استكشاف واستخراج النفط والغاز في محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي في ألاسكا، مع ما يعنيه ذلك من تعليق (مؤقت) للتصاريح التي أصدرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لشركات التنقيب الأمريكية، في جزء من تلك المنطقة التي يعدها السكان الأصليون «غويتشين»، سكان كندا وسكان ألاسكا الذين يتحدثون لغة Athabaskan؛ ويعيشون في الجزء الشمالي الغربي من أمريكا الشمالية، معظمهم فوق الدائرة القطبية الشمالية) – أرضاً مقدسة.

وكانت الوكالة الأمريكية الحكومية المسؤولة عن إدارة الأراضي في ألاسكا، قد أصدرت، بناءً على أوامر الرئيس ترامب، أول عقد تأجير للأراضي (لغرض الاستثمار النفطي والغاز) في 6 يناير 2021، أعقبته بعد 8 أيام بعقود إيجار مماثلة لتسعة قواطع استكشافية يبلغ مجموع مساحتها نحو 1770 كيلومتراً مربعاً. ما يعني أن إدارة ترامب قد وضعت إدارة الرئيس بايدن الحالية، في مأزق يتعلق بفسخ هذه العقود. وهو ما لم يحدث حتى الآن بحسب هيئة ألاسكا للتنمية الصناعية والتصدير؛ حيث لم تتلق أية أوامر تنفيذية تتعلق بمصير هذه العقود. فالقضية مربكة لإدارة بايدن التي أعلنت انحيازها الصريح لمصلحة  مصادر الطاقات المتجددة على حساب مصادر الطاقة الاحفورية. وربما تكون قد قيدت نفسها بمثل هذا الإعلان الملزم، ولو شفهياً؛ لذا، كانت إجابة الناطقة باسم البيت الأبيض جينيفر بساكي على أسئلة الصحفيين بشأن مصير هذه العقود، نازعة للغموض؛ إذ قالت: إن العقود تخضع للمراجعة.

لكن الشركات النفطية التي لديها عقود استئجار اتحادية للاستكشاف والإنتاج، سيُسمح لها بمواصلة عملها، بما في ذلك استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز الطبيعي المثيرة للجدل، على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية لن تعرض أي عقود إيجار جديدة. وهذا ما أوضحه بايدن يوم أصدر أمره التنفيذي بهذا الخصوص؛ حيث قال بالحرف: «لن نحظر التكسير الهيدروليكي، وسنحمي الوظائف وننميها؛ لم يعد الوقت يسمح بالاكتفاء باتخاذ إجراءات صغيرة، نحن بحاجة إلى التحلي بالجرأة؛ لذا اسمحوا لي أن أكون واضحاً، إن خطتنا تتضمن المساعدة على تحوير وإعادة بعث اقتصادات الفحم والنفط والغاز الطبيعي ومجتمعات محطات الطاقة. علينا أن نبدأ بخلق وظائف ذات رواتب جيدة، واغلاق تلك الآبار والمناجم المهجورة».

أما تجميد العقود التي أبرمها ترامب في «الأمتار الأخيرة» من ولايته، فنردها الى توجه إدارة بايدن نحو مكافحة تغير المناخ ووضع الولايات المتحدة على طريق القضاء على انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة بحلول عام 2035، وتحقيق اقتصاد ذي صفر انبعاثات بحلول عام 2050. ولهذا الغرض شكلت إدارة بايدن مجموعة عمل مشتركة تضم ممثلين عن الجهات الحكومية ذات الصلة، وكلفت بالاستثمار في المجتمعات التي تعتمد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي لتأهيلها لانتقال البلاد إلى مصادر طاقة جديدة خالية من الكربون. أيضا، فإنه بحساب العائد والتكاليف، فإن الاستثمار في منطقة القطب الشمالي، لم ينضج بعد من ناحية الجدوى؛ إذ إن كلفة استخراج النفط في ذلك الجزء القطبي من ألاسكا، تبلغ في المتوسط ​​100 دولار للبرميل، كما يقول كريس لافاكيس، خبير اقتصاديات الطاقة في موديز أناليتيكس، والسعر الحالي للنفط الخام لا يصل حتى الى نقطة التعادل. وهذا يعني أن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن يبدأ النفط في التدفق في تلك المنطقة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"