عادي
جلسة حوارية تناقش التحديات التي تواجه المحامين

المحاماة..مهنة تعاني الدخلاء و«تصيّد» الأخطاء

00:51 صباحا
قراءة 8 دقائق
1
1

تغطية: جيهان شعيب

«المحاماة.. مهنة القضاء الواقف» طرف لا غنى عنه في تحقيق العدالة، لذا فهي مهنة لا تقل أهمية عن القضاء الجالس الذي يصدر الأحكام في القضايا، فأحد واجبات المحامي تحري الدقة والوقائع وهما من أهم أركان القوة في دفاع المحامي عن موكله.. حتى يصل إلى الحقيقة ويقدمها للقاضي الذي ينظر في دفوع مختلف أطراف القضية ويصدر حكمه مبنياً على ما استقر في يقين ووجدان هيئة المحكمة.. وبالتالي يسهم المحامون في تحقيق العدالة.. مهنة المحاماة تحتاج دائماً إلى تطوير يتناسب وما يجري في الحياة من تطورات وتحديثات.. جمعية الإمارات للمحامين حملت المسؤولية على عاتقها وعقدت جلسة حوارية بعنوان «مهنة المحاماة.. تطلعات ومقترحات لتطويرها»، استضافها المستشار القانوني والإعلامي د. يوسف الشريف، وناقش فيها الحضور تحديات مهنة القضاء الواقف، وكيفية حمايتها من الدخلاء. 
«استيعاب طلبة القانون في مكاتب المحاماة، وتدريبهم، وتطوير معارفهم، ومهاراتهم، وقدراتهم القانونية»، كان على رأس مقترحات تطوير المهنة بما يسهم في نقل، وتبادل المعارف بين الخبرات القانونية المحلية المواطنة، ومكاتب الاستشارات الأجنبية، وتشديد الرقابة على مكاتب المحاماة غير الملتزمة، وتوجيه المحامين إلى لجنة حماية مهنة المحاماة لمناقشة مقترحاتهم، والتحديات التي تواجههم، للحد منها، وتوفير بيئة عمل مناسبة لهم، بالإضافة لتطرقهم لجهود المحاكم في مواجهة جائحة كورونا.

أدار الجلسة علي مصبح ضاحي، عضو مجلس إدارة وأمين السر العام للجمعية، بحضور المستشار زايد الشامسي، رئيس الجمعية، وعدد كبير من المحامين والمستشارين القانونيين في الدولة، وفي مستهلها قال علي مصبح إن المحاماة مهنة عريقة، ومن أكثر المهن إرهاقاً للعقل والجسد، لأنها رسالة الحق، وتحقيق العدالة من خلال الوقوف إلى جانب المظلومين، والدفاع عنهم، فضلاً عن كون أصحاب المهن لديهم رسالة، وتمسك بالقيم، ومبادئ الشرف، والنزاهة والكرامة، فيما يعمل المحامي باستقلالية تامة، محافظاً على أسرار المهنة ووكلائه.
وعقب ترحيب د. يوسف الشريف بالحضور، أعرب عن تمنياته بوصول الجلسة إلى توصيات ومقترحات مفيدة.. بدأت النقاشات، بطرح المحامي على مصبح محاور على الحضور، تناوبوا في الرد عليها. 
القديم والحديث
عما إذا كان هناك فرق بين مهنة المحاماة قديماً وحديثاً في الإمارات، من حيث الإجراءات، والتعاون بين الزملاء في الأحكام، وتعامل القضاة أنفسهم مع المحامين، قال المحامي يوسف بن حماد: التحقت بالمهنة عام 1991، وعايشت وعاصرت المحامين الذين سبقونا، وتشرفت بأن أكون أحد الذين يحاولون رفع شأن المهنة وتطويرها بمعاونة الآخرين، وأن نرتقي بأدائنا، وحينما التحقت بالمهنة كانت هناك قامات قلما نجدهم اليوم، حيث هم الجيل الذي أسس المهنة، وحينما نتحدث عن المهنة منذ 30 عاماً، نجد أن كل محامي كان بمنزلة مدرسة، ويسارع بتوصيل المعلومة لزملائه، وأتذكر أنه كانت هناك غرفة صغيرة في المحكمة للمحامين، كانت أيضاً بمنزلة كلية للقانون، حيث يجتمع فيها المحامون، ويناقشون أي موضوع، فكان المحامي يخرج من المحكمة يوميا وقد تزود بمعلومات، واكتسب فائدة، وأيضا كان الاحترام، والمحافظة على حقوق البعض، نبراس المحامين، حيث كان المحامي يحافظ على حقوق، ومستحقات، ومصالح زميله، ويقدمها على نفسه، ولم يكن المحامي يترك القضية للشطب، اذا لم يكن زميله موجوداً، حيث كانت الأمور بسيطة، وأساسها التعاون ما بين المحامين بعضهم بعضاً، فيما السبب الرئيسي لاختفاء التعاون السابق بين المحامين، هو الدخلاء على المهنة، من المتقاعدين، أو المستقيلين من وظائفهم في دوائر ما، أو حديثي العهد بممارستها، ويوجد أناس من غير حملة القانون، دخلوا مهنة المحاماة وكأنهم تجار، حيث استأجر الواحد منهم رخصة مهنة، ومن ثم عمل بالمحاماة وهو دخيل عليها، وهؤلاء أثروا سلباً في المحامين بشكل عام، وعلى سمعة المهنة، والمحاكم. 
وأيضاً كان تعامل المحاكم في القضايا الجزائية والمدنية جميلاً، وكان المحامي يفرض احترامه، أما اليوم فقلما يوجد تعاون بين المحامين، علاوة على تصيّد بعضهم أخطاء زملائهم، وهذه من الأمور الدخيلة، إلى جانب أنه من لا ناقة له ولا جمل أساء للمهنة، ولصورة المحامي في المحاكم، التي أضحت مهزوزة، وأصبح المحامي من هؤلاء يقف أمام القاضي وهو لا يفهم شيئاً، كالمندوب الذي تنحصر مهمته في تسليم أوراق، فأين هؤلاء من المحامين في الماضي، الذين كانوا يناقشون، وكانت المذكرات التي يقدمونها مدروسة، وكأنها مراجع، فيما اليوم ونتيجة ضعف المذكرات، أضحت الأحكام ضعيفة، فالمحامي الخطأ، لا يقدم إضافة لمهنة المحاماة، بما ينعكس على الأحكام، وجودة المهنة.
معوقات المهنة
وعن معوقات مهنة المحاماة، وكيف يمكن التغلب عليها، تحدث المستشار زايد الشامسي قائلاً: المحامي في المجتمعات الغربية المتحضرة، ينظر لموضوع العدالة كركيزة المجتمع نفسه، وهو الوصي على القانون تطبيقاً، وتنفيذاً، لذا مكانته عالية لديهم، أما في الوطن العربي، فالإعلام نقل لنا صورة سلبية عن المحامين، وهذه من المعوقات التي يجب علاجها، والحقيقة هناك تحديات كبيرة للمهنة، حيث هناك ضعف في محامي الدولة، فالجامعات تخرج طلبة غير مرضي عنهم، وحتى نتحدث بكل صراحة وواقعية، وإذا كان همي هو العدالة في دولتي، وقانونها، وسيادتها، فلن أتحدث عن الرزق، بل عن القدرة، بمعنى: هل يقدر هذا أن يكون محامياً أم لا؟، فهناك محام لا يعرف كيف يكون كذلك بشكل صحيح، وهناك من يحضر للمحكمة وهو لا يعرف موكله، الحقيقة يجب أن نحترم مهنتنا، ودولتنا، وسيادتها، للأسف لدينا مشكلات في السلوك المهني، ويوجد محامون يتعدون على زملائهم، والحقيقة أننا اعترفنا بزملاء وهم ليسوا كذلك، إلى جانب ذلك هناك ضعف المخرجات التعليمية، وعدم التمسك بميثاق السلوك المهني، وبدأنا نسمع عن وجود خطأ في المنظومة القانونية في الدولة، وأن الرسوم القضائية تؤثر، وهنا التحدي الإلكتروني الجديد، وهو الحصول على استشارة قانونية عن طريق الواتس آب، وتويتر، وسناب شات، والكثيرون بدأوا يعلنون عن أنفسهم بصورة مذلة للمحامين، ولايزالون مستمرين في الإعلان عن أنفسهم عبر التقنيات الجديدة التي بدأت تشكل تحديات للمهنة، سواء من الاستشارات «أون لاين»، أو المحامين غير المرخصين الذين يقدمون استشارات دون مساءلتهم، لذا فلو لم يحافظ المحامي على سيادة القانون، لا يستحق أن يكون كذلك، واذا لم نستطع أن ننظم أنفسنا، يجب أن نتنازل عن مسمانا، خلاف ذلك فهناك بعض التحديات التي رافقت حضور الجلسات إلكترونياً، حيث تحتاج إلى تعاون فيما بيننا، وبين المحاكم والقضاة.
أدبيات التعامل
بالنسبة لأدبيات تعامل المحامين مع بعضهم بعضاً، ومع القضاء، وعما إذا كان هناك ميثاق شرف بين المحامين، وماهي بنوده؟، وصلت الكلمة الى المحامي علي الزرعوني فقال: ديننا الإسلامي الحنيف بني على التعامل، فهو أساس العمل بين البشر عامة، وأصحاب مهنة المحاماة خاصة، وميثاق الشرف يشمل الكثير من الأمور، التي يجب أن يقتدوا بها، وبشكل عام تعود أدبيات التعامل، وميثاق الشرف في المهنة، إلى الأشخاص أنفسهم، وليست القوانين، فالأساس يأتي من المحامين القدامى، والحاليين، وهناك مبادئ مستقرة غير مكتوبة، مرجعها الاحترام المتبادل، ما بين أصحاب المهنة الواحدة، فقدامى المحامين كانوا يعاملون بعضهم باحترام، خلاف الوضع الحالي، بسبب الدخلاء على المهنة، الذين طغوا على السطح، حيث تبدأ من أصحابها الحقيقيين، الذين يضعون القوانين، والأطر، وطريقة التعامل فيما بينهم، بصرف النظر عن وجود ميثاق شرف من عدمه، عدا ذلك، فتعامل المحامين مع بعضهم انعكس على الموكلين، حيث من المحامين من أصبح بمنزلة سلعة، ومن يتاجر في موكله، وانعكس ذلك بالتالي على تعامل القضاة مع المحامين، الذين لا يعطونهم وزنهم، وفي المقابل أضحى بعض المحامين يرون أن القضاة أعداؤهم. 
المكاتب المؤجرة
توضيحاً لماهية محامي الظل، والمكاتب المؤجرة، وأساليب استدراج الموكلين للاحتيال عليهم، وكيفية التغلب على هذه الظاهرة، قال المحامي محمد الرضا: إن بعض المحامين المواطنين اقتصر دور الواحد منهم على الحضور أمام القضاة، واستصدار الرخص باسمه، دون أن تكون له السلطة، ومن يديرون بعض المكاتب إما متدربون، أو غير قانونيين، ويتحايلون على القانون لأنه لم تصدر لهم رخص، وخطر محامي الظل يقع أولا على نفسه، لأنه المسؤول الأول عن المدونات أمام السلطات الرسمية، وبالتالي هو الذي يتعرض للمساءلة، والموكلين بالتالي يتحملون تبعات الأحكام التي تصدر، والخطورة تنعكس على المهنة، حيث من الناس من تتكون لديهم أفكار سيئة عن أصحاب هذه المهنة، وتكفينا المسلسلات وإفرازاتها على المحامين، فالآلاف منها تتحدث عن مساوئ المحامين، وقلة تتحدث عن قيمة المحامي الأصيل، عدا ذلك لابد من إعطاء جمعية المحاميين دوراً في الترخيص، ومحاسبة، ورقابة هؤلاء الأشخاص، وفي ذلك نصرة للتشريع، حيث لابد أن تكون هناك حماية قانونية للمحامين، وسلطة رقابية. 


ريادة وأسبقية في ترتيب منظومة العمل

حول التغيير الذي حدث في عمل المهنة قبيل حلول جائحة كورونا وبعدها، من الحضور عن بعد، والملاحظات التي تم رصدها، أكدت المحامية نادية عبد الرزاق، أن الجائحة التي أثرت سلباً في كثير من المجالات، في مختلف دول العالم، واجهتها الدولة بحزمة من الإجراءات والتدابير، حيث كانت من الريادة والأسبقية في ترتيب منظومة العمل عن بعد في العمل القضائي، قائلة: لم نتأخر في ذروة الأزمة عن ممارسة عملنا، وحضور جلساتنا من أي مكان في الدولة، سواء منازلنا، أو غيرها، فالدولة كانت لديها بنية رقمية ذكية منذ سنوات، وربما هناك بعض السلبيات التي واجهناها، كالأعطال التقنية، وعدم تمكننا أحياناً من دخول الجلسة لتأخر الرابط، وخلافه، لذا نتمنى أن يكون حضورنا فعلياً، مع التزامنا بالإجراءات الاحترازية، ونتمنى أن يكون هناك تنسيق، ومرونة بشكل أكبر، مع التنسيق في مواعيد الإنابات لتقاربها. وفيما يتعلق بكيفية النهوض بمهنة المحاماة، والارتقاء بمكانة أصحابها، قال المحامي أحمد إبراهيم: لابد أن تكون هناك منظومة متكاملة من وزارة العدل، ودائرة القضاء في أبوظبي، ورأس الخيمة، مع جمعية المحامين، لوضع ميثاق لتعليم آداب وأخلاقيات المهنة، التي تستوجب أن يكون لدى المحامي شغف بها.
منظومة مشجعة
 وبحسب المستشار القانوني صابر دياب فإن المحاماة قبل أن تكون مهنة فهي رسالة سامية، وإن كان لميزان العدالة كفتان، فإن إحداهما القضاء، والثانية المحاماة، لذا كانت المقولة الشهيرة إن المحاماة قضاء واقف، ولعل دور المحامي في تحقيق العدالة أسبق من دور القضاء، وفي ذلك تحضرني مقولة أول رئيس لمحكمة النقض المصرية، عبد العزيز باشا فهمي حجازي، الذي قال إن المحامي هو من يجتهد ليخلق الدعوى، ويقدمها للقضاء، كي يوازن بين ما أسفر عنه جهد محامي طرفي الدعوى، ويقيني أن احترام المحامي لنفسه، ومهنته يستوجب احترام القضاء، وجميع من يتعامل معهم، من خلال مزاولته لعمله، ولذلك فمن أهم الأسباب التي يحافظ بها المحامين على مهنتهم، ومكانتها، ووقارها، هو إلمام المحامي بمادته القانونية، واستمرار الاطلاع على القوانين، وتعديلاتها، بل وعلى الموضوعات كافة، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، لأن المجتمع ينظر للمحامي على أنه من صفوة المجتمع، ومن ثم يلجأ إليه الجميع التماساً لاستشارته في أي مشكلة تصادفه، في أي مجال، لذا ظلت المحاماة عقوداً من الزمان مهنة الوزراء، والعظماء، وكلما تمسك المحامون بتقاليدها، وأعرافها الراسخة، زاد احترام الجميع للمحامين، وعادت المهنة لسابق عهدها، ولا سيما أن المجال في دولة الإمارات متاح لذلك، من خلال منظومة تشريعية، وقضائية، وإدارية، تشجع على الارتقاء بالمهنة، وتطوير سبل ممارستها.
تعديل للموازنة
واختتم المستشار القانوني خضر محمد سعيد النقاش قائلاً: لا جدال في أن مهنة المحاماة مهنة حرة، وهو ما رسخته المادة الأولى من قانون تنظيم المهنة الاتحادي، إلا أن إدارة شؤون المهنة ليست للمحامين، بداية من قيدهم، وجداول المحامين، مروراً بحقوقهم، وتقدير الأتعاب، حال الخلاف مع موكليهم، بل حتى حال وجود اتفاق مكتوب، وكذلك لجان التأديب، لذا يجب أن يكون هناك تعديل يوازن بين حرية المحاماة، وضوابط هذه الحرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"