درس جديد من «كورونا»

00:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

دروس كورونا للبشرية لم تنته، وستظل موجودة طالما ظل أن هذا الفيروس ما يزال بيننا، وآخر هذه الدروس؛ هو أن التفاؤل بقدرة العقل الإنساني على قهره، لا يلغي الحذر من مفاجآت هذا اللعين، سواء تمثلت في انقضاضات غير متوقعة على دول أو بقع جغرافية، أو في تحورات جديدة تغير من صفاته وأساليبه في التسرب إلى ضحاياه، وعواقب الإصابة به، ومستلزمات الوقاية، بما يفرض أحياناً إجراء دراسات جديدة؛ للتعرف إلى خواصه، وأساليب الوقاية منه، وإجراء تعديلات على اللقاحات، بما يضمن قدرتها على تشكيل أجسام مضادة؛ للنيل منه، وتحجيم أو منع آثاره القاتلة. 

 لعل الثقة الزائدة على الحد، وعدم الحذر من مفاجآت الفيروس أهم أسباب التسونامي الكوروني الذي يضرب الهند حالياً، والذي لم يردعه أنها صيدلية العالم، ومصنع دولي للأدوية واللقاحات، ولم يخيفه أنها دولة مليارية؛ بل وثاني أكبر دولة في العالم سكاناً، وكيف يخشى الهند وكانت الصين أول أهدافه؛ وهي الأولى عالمياً عدداً وكثافة؛ لكنها أيضاً كانت أول رادعيه، وتكاد تكون صاحبة الانتصار الأكبر في معركة الإنسانية ضد كورونا. 

 ثقة الهند الزائدة هي التي دفعت وزير صحتها للخروج على الناس في مارس/آذار الماضي؛ لإعلان الانتصار على الفيروس، ومن الطبيعي بعد ذلك أن يتخلى الناس عن الإجراءات الاحترازية، ومن ثم يعودون لحياة ما قبل الكوفيد19. وسمحت الحكومة بالتجمعات البشرية في المناسبات الدينية وتجمع الملايين من السيخ في نهر الغانج خلال احتفال ديني، ووافقت على إجراء انتخابات في 5 ولايات؛ فرضت على الحزب الحاكم وحزب المؤتمر المعارض حشد الملايين من أنصارهم في المؤتمرات الدعائية التي شارك فيها رئيس الوزراء وزعيم المعارضة.

 الهند التي كانت من الدول الأنجح في التصدي للوباء، والأكثر قدرة على قهره في الموجة الأولى، أصبحت اليوم الثانية عالمياً في أعداد المصابين والضحايا، وأصبح الفيروس يتنقل بين أهلها بسهولة، وليعيش الناس حالة من الرعب وهم يجدون الموت يخطف منهم الأقربين وهم غير قادرين على إنقاذهم، بعد أن اكتظت المستشفيات، ونفدت أجهزة الأكسجين، وعجزت المدافن والمحارق عن استيعاب الأرقام الكبيرة التي تصلها كل يوم، ولتخوض حكومات الولايات والحكومة المركزية تبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن الأزمة الأكبر التي تتعرض لها البلاد منذ سنوات. 

 الهند التي لا ترحب بالمساعدات الخارجية في الأزمات، وتفضل تحمل مسؤولياتها من دون مساعدة خارجية، لم تجد مفراً من أن تطلب العون من دول العالم في مواجهة هذا التسونامي العاصف، والمتحور الهندي الجديد، وبسرعة غير مسبوقة لبت 40 دولة النداء، وأرسلت المعدات والأجهزة التي يمكن أن تسهم في وقف عداد الموتى والمصابين في الدولة المليارية؛ وذلك بعد أن أغلقت معظم دول العالم حدودها البرية والجوية مع الهند، وهو ما لم يمنع السلالة الهندية من الظهور في أماكن متفرقة في العالم. 

 ليس غريباً أن تتردد الهند في الإغلاق، وهي التي عانت اقتصادياً منه في المرة الأولى، وشاهدت تجارب الآخرين مع الإغلاق والتي لم تسفر سوى عن تراجع وركود وانهيار انعكس سلباً على حياة الناس واقتصادات الدول، لكن الإغلاق الجزئي والمحدد في بعض المناطق؛ قد يكون حلاً حتى يتم وقف التصاعد في الأرقام، وهو الإجراء الذي اتخذته بعض الولايات التي تتواجد بها مناطق موبوءة، ليتم تقييم التجربة لاحقاً واتخاذ القرارات الأنسب مركزياً ومحلياً. 

 الهند دولة عظمى، سكانياً واقتصادياً وعلمياً وتقنياً، ولكن بنيتها الصحية لم تستطع الصمود أمام هذه الأزمة التي تفرض عليها وغيرها من دول العالم العظمى والصغرى وما بينهما، إعادة النظر في البنية الصحية وأوضاع المستشفيات والمزيد من الاهتمام بالبحث العلمي والطبي، وتفرض على البشر الهرولة لتناول اللقاح وصم الآذان أمام المشككين في جدواه أو في عواقبه خصوصاً بعد أن تجاوز الذين تم تلقيحهم عالمياً المليار، في حين أن الحالات التي تم الإعلان عن تعرضها لآثار جانبية لم تتجاوز العشرات، وربما اللقاح بريء منها. وتناول اللقاح لا يعني التخلي عن الكمامة والتباعد ورفض التجمعات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويخلص البشرية من هذا الوباء اللعين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"