عادي
ذاكرة رمضانية

بروين حبيب: رمضان في القاهرة «حاجة تانية»

00:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
1


الشارقة: زكية كردي
صور قديمة جداً تستحضرها الذاكرة من الطفولة عند قدوم رمضان، تعود إلى المنامة مسقط الرأس والبيت الأول للإعلامية بروين حبيب، هناك بين أزقتها حيث تنتشر روائح حلويات رمضان، وتوزيعات رمضان، أطباق الهريس والمهلبية، حيث كانت الصواني تدار بين أمها وخالاتها والجيران، لتتوزع هذه البركات العظيمة للشهر الفضيل.
«رمضان بالنسبة لي هو صوت أبي عندما كان يصلي جهراً، وظل هكذا حتى موته». بهذه الكلمات تنقل حبيب جزءاً مهماً جداً من ذاكرتها الحسية عن الشهر الفضيل، وتقول: كنت أستمتع وأنا أسمع أبي وهو يصلي، وكانت له طريقة مميزة في تهجئة الكلمات تتجلى بحرصه وإتقانه في نطق الحروف حسب مخارجها الصحيحة، ومازال صوته حاضراً في ذاكرتي ومرتبطاً بتلاوة القرآن، وأذكر أيضاً المرة الأولى التي ختمت بها القرآن عند المطوع.
الالتفاف حول المائدة والتلفزيون كان من الصور الطفولية المحببة في شهر الصيام، تلك العلاقة التي نشأت باكراً مع التلفزيون واللهفة لمتابعة الفوازير والمسلسلات، والشغف بإعداد المنوعات على أشرطة الفيديو الأول، وتقول: لا أنسى المسلسل التلفزيوني «محمد رسول الله» الذي كان يبث قبل مدفع الإفطار، والذي كنت أعشقه بصوت «ياسمين الخيام»، ومازال الصوت عالقاً بذاكرتي، ولا يمكن أن أنساه، وهذا لم يكن مجرد تتر غنائي حفظناه عن ظهر قلب، بل كانت واحدة من أحب الأغنيات إلى قلبي، وتذكرني برمضان ورائحة الهيل، والزعفران، اللقيمات والثريد والهريس.
وتقول: رمضان بالنسبة إليّ الشوق إلى كل شيء مصري، كان يمر على شاشاتنا «الليلة الكبيرة» وهنا أضع خطاً تحت هذا العنوان والعمل الجميل للكبير صلاح جاهين، والمولد الشعبي الذي أحبه وما زلت، وحتى اليوم وفي آخر زيارة لي إلى مصر كنت أبحث عن الراقصة في الليلة الكبيرة، والأراجوز والعمدة، وبائع الحمص، بائع البخت، القهوجي، مدرب الأسود، العرائس بوجي وطمطم، هذه المسلسلات التي نشأت عليها، حيث كنّا نردد (الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة) ولم أكن أعرف من هو صلاح جاهين، ومن هو سيد مكاوي، أما العيد بالنسبة لي فهو فرحة ثوب العيد، والمنافسة مع بنات الخالة وبنات الجيران بالأثواب الجديدة والفرح والبهجة اللذين كانا يطلان علينا في العيد، على عائلات متوسطة الحال في المنامة، في تلك البيئة البسيطة الجميلة التي تفرح بأبسط الأشياء، رائحة مطبخ أمي الطباخة الماهرة، التي كانت تتفنن بتحضير مائدة جميلة في رمضان وترضي كل من في البيت، على الرغم من بساطة معطياتها، عندما كبرت صار رمضان بالنسبة لي عبارة عن تفاصيل بسيطة، تلك التطريزات الذهبية في الأثواب، ثوب النشل البحريني، أثوابنا القديمة التي نرتديها في رمضان، والذهب البحريني، الهلالة (الحلق)، والمرّية (العقد الطويل)، أتذكر فوازير نيلي وفوازير شيريهان التي كنت مغرمة بها وأسجلها على أشرطة الفيديو، والأعمال الدرامية البحرينية والمسابقات.
وتردف: كان شهر رمضان بالنسبة لي هو برنامج الشيخ الطنطاوي على شاشتنا الصغيرة في بيتنا القديم، وعندما كبرت ودخلت عالم العمل الإعلامي، مملوءة بالأنشطة لأنني كنت أقدم برنامج «فكر واربح» على صالة البحرين الثقافية، وكانت فترة عمل ليلي، كنت أفطر بالتلفزيون قبل الظهور على الهواء، حيث كان الجمهور ينتظرنا في الموعد اليومي بعد الإفطار، وهو أيضاً المسلسلات الجميلة مثل ليالي الحلمية ورأفت الهجان، والدراما السورية عندما كبرنا، أذكر مسلسل الجوارح الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر في رمضان، وبعده البواسل، وبعده تابعنا صعود الدراما السورية.
وعندما كبرت وذهبت للدراسة في القاهرة قبل أن تأتي إلى دبي، تذكر حبيب أن رمضان في القاهرة «حاجة تانية» فعلاً، سحره الذي يكمن في التفاصيل، في الفوانيس، وفي الحسين والإضاءة وموائد الرحمن، الأجواء الشعبية، ومتعة المشي في شارع جامعة الدول، وكيف كانت المائدة تجمع الطالبات من مختلف الجنسيات إذ يحضرن أطباقهن المنوعة في رمضان، من الكويت والبحرين والإمارات وغيرها.
 وتقول حبيب: تحول رمضان بعد ذلك إلى عمل، خصوصاً عند دخولي العمل التلفزيوني في دبي، كان عملي يقوم على متابعة المسلسلات وتقييمها ونقدها والكتابة عنها، والتحضير للضيوف القادمين من دراما رمضان، النجوم التي لمعت، والمسلسلات التي تميزت ونجحت. كنت أنتظر بث المسلسل في موعده المحدد وإذا لم أكن في البيت أسجله، فلم تكن هناك خيارات كثيرة للمشاهدة كاليوم.
وعن رمضان اليوم تقول: هذه السنة استعدت الكثير من أيامي الجامعية، حيث قضيت أكثر من نصف رمضان في مصر، كنت أسجل برنامجي الجديد «الملهم» وكانت فرصة جميلة أن أعيش مع الحنين وأجدده، وأرى الأشياء بعين أخرى مملوءة بالحب، للأجواء الدافئة في القاهرة، في الحسين والسيدة زينب، الإسكندرية والمرسي أبوالعباس، الأجواء الشعبية الجميلة، والمشروبات التي توزع، وكل شيء جميل وحنون ودافئ، أصوات الأذان في الشوارع وهي ترتفع في سماء القاهرة، والنيل الشاهد الجميل على كل أيامنا وأوقاتنا وقصصنا وحكاياتنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"