«جيرسي» وعيوب «بريكسيت»

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

مشاهد الزوارق والسفن الحربية حول جزيرة جيرسي، التابعة لبريطانيا، والقريبة من السواحل الفرنسية؛ تعيد إلى الأذهان مشهد الصراعات في دول العالم الثالث، وإن كانت تستحضر تاريخاً طويلاً من النزاعات والحروب الفرنسية - البريطانية التي شكلت عملياً تاريخ القارة الأوروبية برمتها؛ لكنها غابت تماماً طوال 47 عاماً من تاريخ الاتحاد الأوروبي قبل أن يلوح شبحها مجدداً في الأفق، بعد «البريكسيت» البريطاني.
 وبعيداً عن استحضار التاريخ، لم يكن صدفة أن يستحوذ ملف الصيد على الحيز الأكبر من مفاوضات «بريكسيت» التي استغرقت شهوراً طويلة، وكان ملف الصيد أحد أبرز الملفات الشائكة فيها. وتكمن أهمية هذا الملف في كيفية المحافظة على حقوق الصيادين الذين اعتادوا منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي على قوانين تتيح لهم حرية الوصول إلى أماكن الصيد في دول الاتحاد، لكن الأمر تغير بعد الخروج، واضطرار أوروبا للتخلي عن 25 في المئة من حصتها في الصيد في المياه البريطانية، وإن كانت المفاوضات أبقت على حق الاستمرار حتى عام 2026، كفترة انتقالية، بعد الحصول على تصريح وإثبات مزاولتهم الصيد في المياه البريطانية منذ فترة طويلة. 
 بالنسبة لجزيرة جيرسي التي تبعد 14 ميلاً فقط عن السواحل الفرنسية بينما تبعد 85 ميلاً عن الساحل الجنوبي الإنجليزي، وضعت السلطات البريطانية بعد «بريكسيت» قوانين جديدة للصيد، وفرضت قيوداً على الصيادين الآخرين، ورفضت، خلافاً للاتفاق، منح تصاريح لعشرات قوارب الصيد الفرنسية العاملة في المنطقة منذ عشرات السنين، ما دفع الزوارق الفرنسية إلى التظاهر قبالة الجزيرة، والتهديد بمحاصرة الميناء. 
وبالمحصلة، تحول الوضع إلى ما يشبه الأزمة، واشتعلت نيران الغضب بين بريطانيا وفرنسا؛ حيث سارعت لندن لإرسال سفينتين حربيتين؛ لتطبيق قوانينها، فيما ردت فرنسا بإرسال زورقين حربيين إلى المياه المحيطة بالجزيرة، في حين هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على بريطانيا. كما حذرت وزيرة البحرية الفرنسية أنيك جيراردين، من أن بلادها مستعدة لاتخاذ «إجراءات انتقامية»، بما في ذلك قطع الكهرباء عن جيرسي التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة يتلقون 95 في المئة من الطاقة الكهربائية من فرنسا عبر ثلاثة كابلات تحت البحر. 
 ومع أن الجانبين جنحا إلى التهدئة، واللجوء إلى الدبلوماسية والحوار؛ لحل المشاكل القائمة، فإن ما حدث في جزيرة جيرسي؛ يكشف عن عيوب وثغرات اتفاق «بريكسيت»؛ ويؤشر إلى إمكانية تفجر صراع أوروبي ليس فقط على صعيد الصيد والمياه البريطانية؛ بل في ملفات أخرى كالتجارة والتعاون الاقتصادي أو الحدود البحرية وغيرها. 
هذه ليست المرة الأولى، التي تندلع فيها خلافات حول حقوق الصيد بين بريطانيا وجيرانها، فقد سبق أن اندلعت سلسلة من الاشتباكات بين سفن الصيد البريطانية والآيسلندية عُرفت باسم «حروب القد»، وامتدت على مدار الفترة بين عامي 1958 و1976. كما اندلع نزاع بين فرنسا وبريطانيا في صيف 2018 حول حقوق الصيد في خليج «السين»؛ بعد انهيار اتفاق يقضي بإبعاد الصيادين من الطرفين عن المنطقة لعدة شهور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"