وقاية فلسفيّة للفنون

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

ما سبب هشاشة الإنتاج الفني في أغلبية المسلسلات والأغاني؟ الجواب استنبطه القلم قبل أن تخز ذهنه شوكة السؤال.
أحد مشاهير الغناء في العالم، سأله المحاور: لماذا اخترت دراسة الإخراج السينمائي، وقد كنت تعرف أن طريقك الموسيقى؟ قال: «في مناهج الإخراج ندرس الفلسفة وعلم النفس والكثير من الفنون والتقنيات، مع شهادة مهنيّة في اليد».
هذه الجملة البسيطة تكفي للتحليل وتوليد الأفكار واستنتاج النقد، صفحات وصفحات. يتمنى المرء أن تكون معاهد الفنون الجميلة العربية تدرّس الفلسفة وعلم النفس. مجرّد أمنية، فالمثل يقول: «لو كان عندها زيت لكان بادياً على قُصّتها (مفرق شعرها)». لو كان حادي الإنتاج الفني فكر وبحوث نفسية معمّقة، مع فلتات نبوغ في القصة والسيناريو والإخراج، لرأيت الناس جاثين على الركب، كأن على رؤوسهم الطير، أمام الشاشات لا يبرحونها.
القارئ حرّ في الدروب التي يسلكها تفكيره وحكمه في نهاية المطاف. قد يقضي بأن مدارس الفنون الجميلة أو ما يشاكلها، ترى الفلسفة وعلم النفس وبالأعلى الأوساط الفنيّة، فالمتخرجّون في هذه المشارب لن يقبلوا إنتاج الابتذال، ولن يرضوا لأنفسهم تفريخ الهبوط، فتصير المطالب في القمة ومن أين قمم الأعمال والميزانيات؟
إذا كان الشاعر يقول: «والنفس راغبة إذا رغّبتها.. وإذا تردّ إلى قليل تقنعُ»، فإن الشطر الأوّل إلى سلة المهملات، ويبقى الشطر الأخير شعاراً ومبدأ تعزّزهما ديمقراطية البرولتياريا الفنّيّة: «الجمهور عاوز كده». أمّا إذا كانت الفلسفة وعلم النفس لا وجود لهما في الفنون الجميلة، فالمصيبة أعظم.
فكرة تدريس الفلسفة وعلم النفس في مدارس الفنون، خطة رائعة، فهي وقاية ومناعة لكل ميادين الفن. حتى يدرس طالب سوح الفن الفلسفة، يجب أن يكون في مستوى تلقيها واستيعابها. دراسة الفلسفة تحتاج في أدنى أشكالها، إلى استيعاب تاريخها منذ ما قبل السقراطيين إلى ما بعد هيجل، إلى كروتشيه وجورج سانتيانا.
أساساً، لا يمكن فهم تاريخ الفن إذا فصلناه عن تاريخ الفلسفة. الموسيقى تحديداً. إلاّ في حالة واحدة، هي دراسة تاريخ الهبوط الموسيقي. مأساة أن يكون لنا في الحضارة الإسلامية فلاسفة موسيقيون، بينما لدينا اليوم أعداد من «عباقرة» إنتاج الهبوط الفني.
لزوم ما يلزم: النتيجة المناعية: الموسيقيّ الذي يدرس فلسفة الفن وعلم النفس الموسيقي، لن يقنع بما دون القمم الإبداعية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"