عادي
فقه الدولة

تكاتف المجتمع.. ضربة قاصمة للتطرف

00:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

تسعى الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب والسيطرة على عقولهم عبر المتاجرة بالمفاهيم، من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. وتهدف هذه الجماعات لوضع الدين في مقابل الوطن لإحداث حالة من التشتت، وترسيخ مفاهيم مغلوطة، كأن الدين والوطن نقيضان، لضرب استقرار المجتمعات والتهوين من مكانة الأوطان، التي تعلي نصوص الشريعة الإسلامية منها، بل جعلت حب الأوطان جزءاً من عقيدة المسلم.

والمؤكد أن مواجهة هذه الجماعات تبدأ من تفنيد أكاذيبها ومتاجرتها بالدين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان أن فقهها يعتمد على فهم خاطئ للنصوص، وشائعات وأكاذيب، وأن هذه الجماعات تهدف لإحداث قطيعة متعمدة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وتهوين إنجازاتها بهدف تفكيكها وضرب استقرارها، فهذه الجماعات ترى أن كل ما يساعد على بناء الدولة يضعف كياناتها، لأنها لا تقوم إلا على أنقاض الدول.

وفق د. مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية، فإن أهل التطرف يعطون لأنفسهم الحق في استخدام أية وسيلة لفرض الذات، ما داموا قادرين على استخدامها وتبريرها، مستغلين عدم وقوف الكثير من الناس على حقائق تاريخ تلك الجماعات.

وتنطلق هذه التيارات والجماعات، وفق عاشور، من نظرتها إلى الواقع برؤية تشاؤمية، إذ ترفض التنوع والتعددية، وتحارب الانفتاح والتقدم، بل ترى نفسها القابضة وحدها على الحق والحقيقة، ومن ثم تختزن إمكانية هائلة لممارسة الإقصاء والعنف تجاه المختلف والمغاير، سواء كان فرداً أو جماعة أو دولة، ويدعمها في ذلك ما تحمله من رؤية أحادية ضيقة عبر متواليات نفسية وعقدية للمجتمع والحياة.

ويؤكد عاشور أن هذا ما تسبب في تشويه صورة العقيدة النقية، وتسطيح الهوية المستقرة، وإضعاف روح الانتماء إلى الوطن، والتقليل من جهود أبناء الأمة المخلصين، فضلاً عن إغواء طائفة من أبناء الأمة وشبابها وإيقاعهم في فخ الغلو والتكفير والتفجير، وحمل السلاح على إخوانهم في الوطن والدين تحت دعاوى غير حقيقية.

ويرى د. مجدي عاشور أن هناك ضرورة لتكاتف المجتمع للقضاء على الإرهاب ومواجهة الجماعات المتطرفة، لأن الأعمال الإرهابية صور لعدة جرائم لها عقوبات محددة وملائمة منصوص عليها في الشرع الشريف، منطوقاً ومفهوماً، كالإرجاف والحرابة والبغي.

ويقول: جملة هذه المعاصي والمنكرات القطعية، شرعاً وقانوناً وعرفاً، توجب، شرعاً وعرفاً وواقعاً، على المجتمع بكل أفراده وطوائفه ومؤسساته الوقوف ضدها بمختلف صورها ومجالاتها وأفرادها، وتحتم التكاتف والاتحاد للقضاء على هذه الظاهرة الخبيثة حسب الوسائل المتاحة والاختصاصات المتنوعة، إذ يقول الله تعالى في ذلك «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الآية (104) سورة آل عمران. 

ويضيف: بذلك، أمر الشرع الشريف بالأخذ على يد الظالم حتى يرجع عن ظلمه وبغيه، ولا يخفى أن الأعمال الإرهابية والأفكار المتطرفة يستوجبان تكاتف المجتمع، وتعاون أطيافه فيما بينهم على مكافحتهما ودحرهما والقضاء عليهما، لأنهما من المنكرات القطعية شرعاً، من إشاعة التكفير، وسوء الظن بالأمة، وإتلاف الأموال والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة.

أدوات فعالة

يؤكد د. مجدي عاشور أنه لابد للمجتمع من التكاتف وتوحيد الجهود ودعم مؤسسات الدولة في مكافحة هذه الظاهرة.

ويقول: نطاق العمل في سبيل ذلك لا حدود له، وذلك يتحقق عن طريق الالتفاف حول الوطن، ودعم مؤسسات الدولة في القيام بواجبها تجاه هذه الظاهرة، والتي يتصدر أولوياتها التصدي بالقوة من قبل الجهات والمؤسسات الأمنية في الدولة، خاصة إذا اقترنت هذه الظاهرة بتكفير العامة وأصبح لأصحابها منعة وشوكة، وذلك حتى تنكسر شوكتهم ويعودوا إلى الحق ويرجعوا إلى السواد الأعظم للأمة، امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» الآية (9) سورة الحجرات. كذلك، فإن من دور المجتمع أيضاً عدم توفير الحواضن الآمنة للإرهاب والتطرف بمختلف الوسائل الممكنة، لأن القتل والتخريب اللذين يمارسهما الإرهابيون من أشد صور الفتنة ظلماً وفساداً وبغياً، ولذلك كان من آواهم مشاركاً لهم في أفعالهم الإجرامية وإفسادهم في الأرض.

ويشدد د. مجدي عاشور على تعزيز أدوار الأطراف الفاعلة كل في اختصاصه مثل: العلماء والفقهاء والدعاة والمؤسسات والهيئات العلمية والعامة والمتخصصة في نشر الوعي لمكافحة التطرف ومعالجة أسبابه، ووأد ما يصدر من ممارسات تسيء إلى الإسلام في وسائل الإعلام، تأكيداً للتعايش القائم على الوسطية ومنعاً لثقافة الكراهية، وترسيخ مواجهة الأفكار المتطرفة بالمحافظة على الفكر الصحيح وحمايته من التطرف، وحماية المنظومة العقدية والثقافية والأخلاقية، وضرورة اتخاذ الأساليب المختلفة لاحتواء الشباب ووقايتهم من مخاطر التطرف، وتوعية المجتمع بأضرار وعواقب التعصب والتشدد، وتبني سياسة الاحتواء الفكري لمن وقع من الشباب في براثن الإرهاب والتطرف. ويضيف: الاحتواء سيحدث تقارباً بين هؤلاء الشباب وبين محاوريهم، خاصة العلماء من جميع التخصصات ذات الصلة، وفي هذا الصدد يمكن أن يستثمر المجتمع ومؤسساته الأصوات ذات النفوذ والاحترام لإطلاق حملات إعلامية اجتماعية واسعة النطاق، تستهدف نشر الوعي وترسيخ الثوابت الدينية والوطنية، وكشف المستور عن الأعمال والمواقف والمفاهيم المسيئة لهذه الثوابت الراقية، وإشاعة ثقافة التعددية والاختلاف وقبول الآخر لمواجهة آثار الانغلاق الفكري، التي بثها أهل الإرهاب والتطرف من خلال إثارة مسائل الخلاف على أن رأيهم فيها هو الممثل للحق والصواب، وما عداه لا يعدو البدع والضلال، بل يجعلون ذلك مناطاً للولاء والبراء، على الرغم من كونها مسائل خلافية قديمة ولم تكن حديثة.

ضرورة شرعية وواقعية

يؤكد د. مجدي عاشور، أن هناك ضرورة شرعية وواقعية تقتضي تكاتف المجتمع، أفراداً ومؤسسات ودولة، مع تصعيد أدواته الإيجابية وتنشيط جهوده ضد الإرهاب والتطرف وفق القيم الأخلاقية والتربوية، بما يشكل عاملاً أصيلاً في القضاء على ظاهرة الإرهاب، وبما يحول أيضاً دون تأثر أفراده بالأفكار المغلوطة، والأنماط السلوكية المنحرفة، لأن تكاتف المجتمع ضد الإرهاب ضرورة بالواقع، لكونه أداة خطيرة وخبيثة لانتشار الخراب والتدمير للعمران والحضارة، وإشاعة الفوضى والاضطراب، وبث الرعب والخوف في نفوس الآمنين، والتهديد المستمر للسلم والاستقرار المحلي والإقليمي والعالمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"