عادي

فيما يرى النائم

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن

** قال صاحبي: إنه رأى فيما يرى النائم أن الأمة العربية في الزمن الراهن وكأنها تدور حول نفسها، هكذا أشعر، وربما معي كثيرون، تضرب كفاً بكفٍ، وتحوقل وتستعيذ بالله من الشياطين، وتسأله، تعالى، أن ينقذها من أزماتها السياسية والاقتصادية والنفسية والصحية والأخلاقية، وأن يُهيئ لها من «أمرها رشداً».

** وأضاف قائلاً: «ولا غرابة في ذلك، لأن الانهيارات العربية صارت مفتوحة على الغارب، بعد أن أدارت الأمة ومؤسساتها ظهرها لكل العوامل والمقدمات، التي انتهت بها إلى ما هي عليه الحال الراهنة، وكذلك بعد أن هربت نظم عربية سياسية من تشخيص موضوعي لما يضاعف هذه الانهيارات ويزيد من أخطارها.

** في السنوات الأخيرة، وصلت حال الأمة العربية إلى مستوى قاسٍ وصعب، تلاحقت خلالها الزلازل، وتعددت مسارح التمزق العربي، وتحولت الأرض العربية إلى ملاعب تتصارع عليها قوى إقليمية ودولية، وتدهور موقع العرب في الإقليم، وراحت دول النظام العربي تخاطب العالم، بخطابات وأجندات متباينة، وحضر المرتزقة والقتلة الجوالون، والثعالب وتجار «البازار» ومزورو التاريخ وقراصنة البر والبحر.

وبلغ الاهتراء حد تهديد الدولة الوطنية من الداخل، وهي التي كان حلم العربي بتجاوزها إلى التكامل العربي والتعاون والتنسيق والتكتل الجماعي في مواجهة التحديات المشتركة، وأصبحت الحال الآن أن ندعو في صلواتنا لتبقى الدولة الوطنية متماسكة ومعافاة في أمنها ونموها ورضا شعبها واستقراره، فلا تتفتت إلى فيدراليات، أو تتقطع أوصالها جيوباً تتقاتل وخنادق متقابلة وموارد مهدورة.

** افترقت حسابات النظم العربية، وبدت أدوارها مستضعفة وبائسة، في الوحدة الداخلية، وفي تنميتها وتعليمها، ومواجهة البطالة والفقر، وانكشاف الأمن الوطني والقومي، بتفرعاته المختلفة، ماءً وغذاءً وثقافة وأمناً إنسانياً ومعرفةً.

** كثيرون فضلوا السير بمحاذاة الجدران، وانتهوا إلى شبه استقالة من التاريخ، وحالة نفسية قابلة للاختراق والتدجين.

** هكذا استطال ليل حال الأمة، وجاءت «كورونا» فزادت الطين بلَّة، وتوالت الانهيارات والتي شملت السياسة والاقتصاد والتعليم والفن والثقافة والأخلاق والقيم، حتى صار بعضنا يتعاطى مع أدق وأخطر قضايانا باستخفاف عجيب، وينسب تخلفنا وضعفنا إلى مجاهيل، واتسعت الصدوع بين البيت والبيت المجاور، وأكثرنا من الثرثرة عن الهوية الافتراضية والمعولمة، وأنتجنا أسباباً إضافية للغلو والتطرف والانحراف عن السوية الأخلاقية، وزاد الفساد رغم كثرة الحديث عن الشفافية.

** وقد أصابت حالة الإرهاق هذه الجماهير العربية، وتركيباتها الأهلية، فغلبت لدى كثير منها الأثرة على الإيثار، والرغيف على الحقيقة، والتوجس على الحاضر، والخوف على المستقبل، وضاقت أمامها الخيارات.

** جماهير حائرة، يتحول غضبها أحياناً إلى زفير تائه في الفضاء، أما زبد الغضب فهو من نصيب نُخب مثقفة وأخرى مسيسة تنتظر خروج الناس إلى الشوارع لحمل قادة هذه النخب على الأكتاف.

** هكذا قال صاحبي، عمَّا رآه «فيما يرى النائم» واختتم بقوله: «إن الحال وصلت إلى شيء من الهشاشة ولين العظام والزهايمر السياسي، وفقدان التوازن في المجتمعات والنظم والعلاقات».

** قلت لصاحبي، وأنا أحاوره، محاولاً تحريره من كوابيسه: «لابد من كُوّة أمل هنا أو هناك، تعاند انقطاع الوعي، وتراهن على ما يحمله المستقبل في طياته من مفاجآت».

قال صاحبي: «إما النهوض أو السقوط، إما التكامل والابتكار أو الاندثار»، على حد ما ذكره تقرير مهم لمؤسسة الفكر العربي.

«يا صاحبي، لقد اتسع الفتق على الراتق، مما يستدعي من المثقف الواعي، صاحب الضمير المسؤول أن يقرع الأجراس».

ثم سكت صاحبي عن الكلام الموجع المباح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"