عادي
أشهر الخطب

يوم ابتهال ورغبة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
رمضان

استطاع المأمون عبدالله بن هارون الرشيد، سابع خلفاء بني العباس، خلال فترة حكمه، إحداث تغييرات إيجابية نتيجة الاهتمام بعلوم الفلسفة والطب والرياضيات، وكان يأنس بالحكماء ومناظرتهم.
وتطرق سلامة موسى في «أشهر الخطب ومشاهير الخطباء» لإحدى خطب المأمون التي ألقاها في عيد الفطر، وتحوي مواعظ وعبراً مؤثرة.
قال المأمون في خطبته: «ألا إن يومكم هذا يوم عيد وسنة، وابتهال ورغبة، يوم ختم الله تعالى به صيام رمضان، وافتتح به حج بيته الحرام، فجعله أول أيام شهور الحج، وجعله معقباً لمفروض صيامكم، ومتقبل قيامكم، فاطلبوا إلى الله تعالى حوائجكم، واستغفروه لتفريطكم، فإنه يُقال: لا كثير مع ندم واستغفار، ولا قليل مع تمادٍ وإصرار.
  فاتقوا الله عباد الله، وبادروا الأمر الذي اعتدل فيه يقينكم، ولم يحضر الشك فيه أحداً منكم، وهو الموت المكتوب عليكم، فإنه لا يستقال بعده عثرة، ولا تحظر قبله توبة، واعلموا أنه لا شيء قبله إلا دونه، ولا شيء بعده إلا فوقه، ولا يعين على جزعه وعكره وكربه، ولا يُعين على القبر وظلمته وضيقه ووحشته وهول مطلعه ومساءلة ملائكته، إلا العمل الصالح الذي أمر الله تعالى به، فمن زلت عند الموت قدمه فقد ظهَرت ندامته، وفاتته استقامته، ودعا من الرجعة إلى ما لا يُجاب إليه، وبذل من الفدية ما لا يقبل منه، فاللهَ اللهَ عباد الله، فكونوا قوماً سألوا الرجعة فأعطوها؛ إذ منعها الذين طلَبوها، فإنه ليس يتمنى المتقدمون لكم إلا هذا الأجل المبسوط لكم، فاحذروا ما حذركم الله تعالى منه، واتقوا اليوم الذي يجمعكم الله فيه لوضع موازينكم، ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم، فلينظر عبد ما يضع في ميزانه مما يثقل به، ومما يملي في صحيفته الحافظة لما عليه وله، فقد حكى الله تعالى لكم ما قال المفرطون عندها؛ إذ طال إعراضهم عنها قال الله تعالى: «ووُضِع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. وقال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة».
ولست أنهاكم عن الدنيا بأعظم مما نهتكم به الدنيا عن نفسها، فإن كل ما بها يحذر منها وينهي عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"