عادي
الشاعر البولندي الأبرز

زبيغنيف هربرت يرفض دور المخبر السري

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق
2001

الشارقة: يوسف أبولوز

تكمن القيمة الثقافية لبعض الشعراء، ليس فقط في تجاربهم الإبداعية ونصوصهم وكتاباتهم النثرية والأدبية؛ بل وتظهر هذه القيمة أيضاً في الحياة التي عاشوها، وما أحاط بهذه الحياة من ظروف اجتماعية وسياسية، إلى جانب مواقفهم الأخلاقية بالدرجة الأولى تجاه قضايا بلدانهم وقضايا العالم، وكم دفعوا ثمناً لهذه المواقف بشجاعة شخصية انعكست، بالطبع، في أشعارهم الشجاعة.

حين نقرأ أشعار زبيغنيف هربرت الشاعر البولندي الأبرز (1924 - 1998)، نحن لا نقرأ فقط شعراً ونثراً على درجة عالية من النقاء الأدبي والإبداع البلاغي والفكري والثقافي؛ بل، ونقرأ أيضاً جانباً من تاريخ بولندا الحديث، وبشكل خاص وقوعها تحت الهيمنة والسياسة والثقـــــافة «السوفييتـــيـــة - الروسيــة» فــــــــي خمسينات وستينات القرن العشرين، شأنها شأن أوروبا الشرقية التي قبضت عليها الأيديولوجية السوفييتية، وحوّلتها إلى دول عقائدية دائرة في أجرام ما كان يُسمى الاشتراكية الأممية التي انهارت مع انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991.

ليس الشعر هنا وحده المؤرخ والموثق لجانب من تاريخ بولندا المعاصر؛ بل الشاعر نفسه هو شاهد على وقائع سياسية جرت في تاريخ بلاده، إن لم يكن طرفاً فيها، ومرة ثانية، بشجاعة واستقلالية.

رغيف خبز

نقل هذه الأشعار إلى العربية الشاعر والمترجم العراقي هاتف الجنابي، وهنا نقرأ شعراً مترجماً إلى لغتنا باطمئنان كامل.. أولاً للمهنية اللغوية لشاعر في تجربة الجنابي، وثانياً هو درس البولندية في بلادها وبين أهلها (ماجستير اللغة البولندية وآدابها جامعة وارسو 1979)، وقدم الجنابي لهذه الأشعار بمادة سيرية تتصل بالشاعر فيها الكثير من المعلومات التي تساعدنا على معرفة حياة هذا الشاعر الذي كان القراء، كما يقول الجنابي، يتلقفون أشعاره كرغيف الخبز.

يخبرنا الجنابي في مقدمة هذه المختارات أن زبيغنيف هربرت انسحب في عام 1948 من اتحاد الأدباء البولنديين.. ولكن لماذا؟ يقول: «تركت الاتحاد بسبب الكذب. لقد نفخوا في الواقعة الاشتراكية، ولم يكن لديّ أية حظوظ في نشر ما كتبته في تلك الفترة، وعلى الأرجح أنني سبقت طردي من الاتحاد»، الأمر الذي يوضح لنا معارضة هربرت للسطوة الروسية والسياسية والأيديولوجية على الثقافة البولندية.

دائماً، وفي الكثير من بلدان العالم، هناك شعراء يبيعون أنفسهم برخص ومهانة لأول مشترٍ سياسي أو أيديولوجي. هناك من يبيع نفسه للشيطان، ويبرر ذلك بأن الشيطان ملاك، وهناك من يبيع نفسه للملاك، ويبرر بأن الملاك لا يمكن أن ينقلب شيطاناً، هؤلاء يوظفون أنفسهم في الخدمة الرخيصة، وكان منهم الكثير من الشعراء البولنديين، ويقول الجنابي إن هربرت كان رافضاً للاحتلال النازي، ولم ينخرط في موجة الدفاع عن الشيوعية أو الترويج للاشتراكية أو لستالين، ويقول إنه لم يكن متحمساً للواقعية الاشتراكية، والأهم من ذلك «لم يقم بدور المخبر السري كما فعل آنذاك قسم من الشعراء والكتاب والمثقفين البولنديين».

في عام 1989 سقط النظام الاشتراكي في بولندا، وسيعاني هربرت كما جاء في رواية الجنابي شظف العيش والحرمان، جراء مواقفه غير المهادنة، وفي عام 1967 عاش حالة اكتئاب عميقة «ربما كانت حالة الاكتئاب هذه بسبب معاناته المعيشية أو ترحاله المتكرر والعمل المضني على مشروعه الكتابي، وربما بسبب توتر العلاقة بينه وبين النظام القائم آنذاك، وبين من دافع عنه من الكتاب والمثقفين البولنديين».

ويرى الجنابي أن هربرت، يبقى أنموذجاً للشاعر المعاصر المناهض للشمولية والانهزامية والتخاذل، والمدافع عن الإنسان وعن القيم المستمدة من الثقافة المسيحية الأوروبية.

علاقة وثيقة

إن قيمة هذه القصائد المنقولة إلى العربية، تكمن أيضاً في ترجمتها من خلال العلاقة التي كانت تربط المترجم بالشاعر وبعائلته، فقد ربطته به وبعائلته معرفة دامت قرابة 12 عاماً، وهو أول من ترجمه من البولندية إلى العربية.في شعر زبيغنيف هربرت، أكثر من حياة، وأكثر من سؤال وجودي وإنساني وأخلاقي. نحن أمام خريطة مكتملة لشاعر مثقف حالم، كان يحلم بواقع مغاير للعالم الذي عاش فيه.

استعارات وتراكيب

إن أفكار الشاعر حول شعره أو حول الشعر بشكل عام هي مفاتيح لفهمه والاقتراب الأكثر حميمية من مناطقه الفنية والفكرية. يقول هربرت: «تعجبني القصائد الكثيفة بالاستعارات والتراكيب الغريبة».

الجدير قوله في قراءة هذه المختارات أيضاً أن الشعر، إن جازت العبارة، يكشف عن ثقافة الشاعر، وثقافة المترجم أيضاً الذي عمل على تقريب هذه النصوص إلينا بذائقتنا العربية من خلال مئة و5 هوامش تتصل بالقصائد المختارة نفسها، وتتعلق هذه الهوامش المهمة بشعراء ومواقع أثرية ونصوص وكائنات حية ومدن ولوحات فنية ورسامين من عصور فنية مختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"