العميد لا يحب الطائرات

وعدْنا باستكمال الحديث عن رأي عميد الأدب العربي، طه حسين، في مؤلفاته، وأيّها يعدّه أقرب إلى نفسه، ورأينا أنه قال ل«منهل الطلبة» السعودي في إجابة تبدو قاطعة، إنه لا يحبها جميعاً. والأرجح أنه لم يشأ أن يُفصّل في هذا الموضوع، فمجمل إجاباته عن أسئلة ذلك المنبر جاءت مقتضبة وسريعة، ولكنها مهمة بالتأكيد، فهو لا يلقي الكلام على عواهنه.
لكن شيئاً من الشرح قاله العميد بعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً على زيارته للمملكة، ولوسيلة إعلام سعودية أيضاً، حين أجرى معه المذيع السعودي ماجد الشبل مقابلة تلفزيونية في منزله بالقاهرة، وكان من ضمن الأسئلة سؤال عن الموضوع نفسه، أي عن أغلى كتبه على نفسه، أو أنه من دعاة «أن كتبنا مثل أولادنا، فكلها غوال».
جواب طه حسين لم يختلف في جوهره عمّا قاله لطلبة السعودية، موضحاً أنه لا يقول عن مؤلفاته شيئاً: «أعتقد يقيناً وصدقاً وحقيقة وبكل إخلاص، أني لم أوفق في تحقيق أمنيتي كما ينبغي فقد قصرت في كل كتاب».
وحين قال له المذيع إن قوله يندرج في خانة التواضع، ردّ عليه بشكل قاطع أيضاً: «أؤكد لك أني لا أتواضع، وإنما أقول الحقيقة، والله يشهد».
تفاصيل زيارة طه حسين إلى السعودية عرّفتني بمعلومة لم أقرأ عنها سابقاً، هي أنه، مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب، يكره ركوب الطائرات، حتى إنه لم يفعل ذلك في حياته، على ما جاء في الكتاب، سوى مرتين، وفي أحوال اضطرارية، وتضمّن برنامج رحلته إلى السعودية زيارة المدينة المنورة، وصادف أن موجة عواصف اجتاحت الحجاز فترة وجوده، فلم يكن من سبيل لبلوغ المدينة سوى ركوب الطائرة، وحين طلب منه تأجيل ذهابه إليها إلى زيارة تالية له للسعودية، أصرّ على الذهاب، موضحاً أنه لا يمكن أن يكون على هذا القرب من المسجد النبوي، ولا يقصده.
لكنه وبسبب كرهه للطائرات اعتذر عن زيارة المنطقة الشرقية، وعوّض عن ذلك بتوجيه مقال أهداه إلى أهلها نشرته مجلة «قافلة الزيت»، وفيه أكدّ على الأفكار التي دعا إليها في كل الخطابات التي ألقاها في فعاليات المؤتمر الذي رأسه، أو في لقاءاته الصحفية بضرورة الأخذ بالعلم والمعرفة سبيلاً للنهضة والتقدم.
وفي حديث مع صحيفة «البلاد» وفي ردٍّ على سؤال حول الروافد الثقافية التي ينصح بها لنهضة المملكة الثقافية، قال: «هي نفس الروافد التي أنصح بها لمصر، وهي أن تُفتح القلوب والعقول على مصاريعها للعلم والفن والثقافة مهما تكن مصادرها».
[email protected]