عادي

جورجيا.. عبق التاريخ وروعة الحاضر

00:15 صباحا
قراءة 6 دقائق
برج الساعة المائل في تبليسي
إحدى القلاع في تبليسي
مدينة الكهوف أبليستسيخ
متحف سفانيتي للتاريخ والإثنوجرافيا
بحيرة ريتسا في قلب الطبيعة الجورجية

إعداد: هشام مدخنة
تقع جورجيا عند تقاطع شرق أوروبا وغرب آسيا، وهي مكان مأهول بالسكان منذ العصر البرونزي. حيث حفرت آلاف السنين من التاريخ والعديد من الحضارات المتعاقبة بصماتها الواضحة عميقاً في جورجيا، ما يجعلها بلداً مثيراً للاهتمام بشكل خاص لمحبي التاريخ. أما أولئك الذين يحبون الطبيعة فلا خوف عليهم لأنهم سيقعون في حب هذه الأرض بكل تأكيد. فجورجيا من الدول التي تميزها طبيعتها الساحرة ومواردها الطبيعية، وتحتوي على الكثير من مناطق الجذب السياحي التي تحفز المسافرين للتوجه إليها. ولأنك في بلد صغير نسبياً، ستكتشف بسهولة شواطئها المطلة على البحر الأسود، مروراً بجبال القوقاز البرية، وكهف كروبيرا، أعمق كهف في العالم، وأحد أكثر الأماكن الغامضة على وجه الأرض، إضافة إلى وجود المستنقعات المائية والأنهار الجليدية المغطاة بالثلوج، والغابات الخضراء، والمروج الخلابة.

إذا كنت من عشاق الفن والعمارة، فلن يخيب أملك أيضاً، فهناك شيء يناسب كل ذوق، والبلاد تحتوي على مزيج فريد من الفن الكنسي القديم، والقلاع التاريخية، والأبراج، والقصور، وهندسة القبة المتقاطعة.

ستحب كثيراً العاصمة الملونة تبليسي التي تقع في جنوب القوقاز على ضفاف نهر كورا، والتي تشتهر بالحداثة والتقدم، كما أنها مدينة عريقة تاريخياً وغنية بالثقافة والأبنية القديمة من العصور الوسطى والكلاسيكية إلى الفن الحديث.

من الصعب العثور على بلد يقدم مثل هذا التنوع الكبير في مساحة 27 ألف ميل مربع فقط، وهذه بعض الأسباب للوقوع في حب جورجيا وقضاء إجازة صيفية فيها.

المطبخ الجورجي ودفء الضيافة

لا يقتصر مفهوم العراقة في جورجيا على تاريخها وآثارها وثقافة شعبها البسيط فحسب، بل يشمل أيضاً مطبخها الشهير بأطباقه التقليدية الأكثر تميزاً في أوروبا الشرقية. ففي جورجيا، اعتبر نفسك في وليمة مفتوحة بشكل دائم.

ويُعد طبق «الخاشابوري» الأكثر شعبية على الإطلاق هناك، ورمزاً قومياً في المطبخ الجورجي التقليدي، وهو نوع من المخبوزات المصنوعة بعدة طرق تختلف من إقليم لآخر. وهناك أيضاً فطائر اللحم اللذيذة المسماة «خينكالي»، والكوتشماشي والكوبداري. ولا ننسى طبق الحساء الأشهر في جورجيا «شيخيرتما» الذي يحوي قطع الدجاج، ويتميز بنكهة حامضة بعض الشيء.

والشعب في جورجيا مسالم ومضياف إلى أبعد حد، وإذا كنت محظوظاً، فستتم دعوتك إلى وليمة مشتركة، تعرف بالطاولة الجورجية، في منزل شخص ما، وهي جزء من الثقافة السائدة في البلاد، ويمكن أن تستمر الجلسة ساعات مصحوبة بأطايب الشراب والحلوى. ويُنصح بتكوين صداقات محلية في جورجيا، وهو أمر سهل لأنهم ببساطة يحبون الزوار والضيوف، كما أنها فرصة أيضاً للاستماع إلى الأغاني والموسيقى الجورجية المميزة.

سفانيتي مدينة الجبال والأنهار والتراث

في أعالي جبال القوقاز، تفرض منطقة سفانيتي سحرها، وهي واحدة من أكثر المناطق المأهولة جمالاً في جورجيا. ويعود تاريخها لآلاف السنين، وكانت محل نزاعات شديدة ومتكررة بسبب موقعها الاستراتيجي المميز. وتشتهر سفانيتي بوجود عشرات من أبراج المراقبة التي تعود إلى القرون الوسطى، والتي شيدتها العائلات للدفاع عن المدينة أثناء الغزوات، وتحولت اليوم إلى مزارات تاريخية ساحرة.

وتعتبر سفانيتي جنة لعشاق السير لمسافات طويلة، ليس لكونها توفر مسارات مذهلة فقط، ومناظر طبيعية رائعة، ولكن لأنها أيضاً تضم الكثير من الأنهار الجليدية التي يمكن زيارتها وقضاء أسعد الأوقات. كما تستطيع التنزه هناك وزيارة قريتي أوشجولي وميستيا، ومتحف التاريخ والإثنوجرافيا الذي يضم خزينة رائعة من الرموز والكنوز الدينية والأيقونات والقطع الأثرية الفريدة، فضلاً عن الحفريات الأثرية والنقوش والمخطوطات الفريدة.

شواطئ وبحيرات ساحرة

جورجيا هي إحدى الدول الست المطلة على البحر الأسود، وبعد كل المشي والمغامرات في جبال القوقاز، سترغب في الاسترخاء على الشاطئ لفترة من الوقت. وتُعد مدينة باتومي المنتجع الشاطئي الأكثر شهرة في جورجيا، ولكن إذا كنت تبحث عن شواطئ رملية طويلة وبيضاء، فأنت في المكان الخطأ. فشاطئ باتومي يتكون من الحصى، لكن البحر هناك نقي وضوح الشمس، والسحر الحقيقي يكمن في المدينة نفسها ومحيطها. حيث يمتد شارع باتومي بوليفارد بطول أربعة أميال، وهو مكان مثالي للتنزه مشياً على الأقدام، والاستمتاع بمشاهدة العديد من التماثيل المثيرة للإعجاب. وتستطيع زيارة الحديقة النباتية، وهي واحدة من أكبر الحدائق في الاتحاد السوفييتي سابقاً. ويمكنك التجول داخلها ومشاهدة بعض النباتات والحيوانات الجميلة، والاستمتاع بمشهد غروب الشمس وراء الساحل المطل على الحديقة.

وعلى الرغم من إعادة إعمارها في العقد الأخير، حافظت مدينة باتومي على مجموعة رائعة من المباني الأثرية القديمة التي تمنحها أجواءً أكثر جمالاً. قم بزيارة ساحة أوروبا وانظر حولك لتجد مجموعة جميلة من المباني المعمارية ذات التصاميم المذهلة، وتناول وجبة محلية دسمة في أحد المطاعم أو المقاهي المنتشرة في الساحة.

وفي أقصى شمال أبخازيا توجد بحيرة ريتسا التي تُعد من أبرز الأماكن السياحية في جورجيا، وأعمق بحيرة في الجمهورية، وتحيط بها الجبال والمياه المشبعة باللونين الأخضر والأزرق، وتضم تنوعاً حيوياً كبيراً من الكائنات البحرية. وفصل الصيف هو أفضل الأوقات لزيارة البحيرة حيث تكون الأجواء باردة هناك، وهي مكان مناسب جداً للتنزه والصيد والقيام بجولات على متن القوارب السياحية.

مدينة الكهوف أبليستسيخ

جورجيا مملوءة بالمفاجآت، ومن بينها المنازل الكهفية التي يبلغ عمرها 5000 عام في مدينة «أبليستسيخ» والتي كانت مأهولة بالسكان حتى القرن الثالث عشر، ورغم أنها مهجورة اليوم ولكنها تظل رائعة بسبب هياكلها الحجرية المميزة وموقعها الأثري والتاريخي.

ويمكن تقسيم المجمع الشاسع إلى أجزائه السفلية والوسطى والعليا، وكلها متصلة بأنفاق تحت الأرض، وعلى قمة المجمع تستقر الكنيسة الأثرية التي بُنيت في القرن التاسع.

كروبيرا.. كهف لا قاع له

في مكان بعيد في كتلة أرابيكا ماسيف الصخرية، وعلى حافة البحر الأسود في أبخازيا غرب القوقاز، يمكنك العثور على أعمق كهف في العالم، «كروبيرا». فعلى عمق 7200 قدم، تُرك هذا المكان للعديد من بعثات الجيولوجيين الذين يحاولون سبر غور أعمق كهف على مر السنين، ومع ذلك فهم يعتقدون أنهم لم يصلوا إلى القاع بعد. وعلى الرغم من أنك لا تستطيع النزول بنفسك داخل أعماق الكهف، إلا أنه شعور رائع بأن تعرف أنك تقف على قمة أحد أكثر الأماكن إثارة وعمقاً على وجه الأرض.

أطلق العنان لنفسك في تبليسي

هي عاصمة البلاد ومدينة ذات أوجه متعددة على منحدر تل مثير. وهي العصب الذي يحرك جورجيا نحو الحداثة والتقدم، كما أنها مدينة عريقة تاريخياً وغنية بالثقافة والتاريخ، ما يجعلها مكاناً رائعاً للاستكشاف والتوازن، والتناقض بين القديم والجديد.

خذ وقتك لاستكشاف المدينة القديمة ذات الكنائس والآثار والمباني الرائعة. واسلك طريقك إلى أعلى التل، إما سيراً على الأقدام، وإما بالتلفريك، لمشاهدة قلعة ناريكالا، أو الحديقة النباتية. وعند العودة، استمتع بحمام ماء ساخن في الينابيع الكبريتية الطبيعية، وقم بزيارة سوق السلع المستعملة المثير أسفل الجسر الجاف، والتقط بعض الصور بجانب برج الساعة المائل بجوار مسرح الدمى المتحركة. يمكنك بعد ذلك أن تحصل على قسط من الراحة في أحد المقاهي قبل أن تعبر جسراً مميزاً فوق نهر كورا يأخذك إلى الجزء الحديث من تبليسي، ستشعر حينها كأنك في مدينة مختلفة، ومكان مملوء بالأمثلة الحية على العمارة العصرية المذهلة في تجاور لافت مع الهندسة المعمارية للمدينة القديمة.

قلاع وأساطير

من منا لا يرغب في زيارة بلد مملوء بالأساطير والألغاز؟ فالمناظر الطبيعية الجورجية وتاريخها الطويل غارقان بشكل طبيعي في العديد من هذه الحكايات. وإحداها تشير إلى قلعة أنانوري التي تعود للقرون الوسطى، على بعد 55 ميلاً فقط، شمال تبليسي، على نهر أراجوري. والتي لم يستطع الغزاة في غابر الزمان هزيمتها رغم الحصار الشديد لوجود نفق سري عبر المياه كان يُوفر وسيلة لإيصال الطعام والماء إلى داخل القلعة.

وهناك قلعة أو حصن ناريكالا، وهي من أهم وأبرز المعالم السياحية التي يقصدها الكثير من الزائرين في جورجيا. تقف القلعة شامخة فوق تلة تُطل على مدينة تبليسي ونهر متكافري، وقد شُيدت في القرن الرابع الميلادي بهدف حماية المدينة من أي هجوم مفاجئ. وعلى الرغم من تعرضها لزلزال مدمر في عام 1827 هدم جزءاً منها، إلا أن جدران القلعة وأسوارها المحيطة بها لا تزال صامدة إلى يومنا هذا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"