عادي
19 عاماً على الرحيل

تريم عمران.. الغـائب الحاضر في القلوب والعقول

02:22 صباحا
قراءة 8 دقائق
1

ملف من إعداد: جيهان شعيب

تحلّ اليوم الذكرى التاسعة عشرة، لرحيل تريم عمران تريم، السياسي والإعلامي البارز، صاحب الكلمة الحرة، والموقف الثابت، والعطاء الوطني، وهي حاضرة دوماً، ولم تغب برحيل جسده، عام 2002 ؛ فالرموز تبقى، حتى لو رحل الجسد.
 وتريم عمران، الوطني الملتزم بالتيار القومي والوحدوي العربي في الدولة، ومنطقة الخليج العربي، سيظل باقياً بكل ما قام به، وقدمه مع شقيقه الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم، لاسيما في جميع مراحل تأسيس الإمارات، حيث كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وممن طالبوا بتوحيد إمارات الخليج التسع، عقب خروج الاحتلال البريطاني، مطلع السبعينات من القرن الماضي. وحينما ظهرت صعوبة قيام الاتحاد التساعي، كانا في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد السباعي، الذي هو اليوم دولة الإمارات، بقوله حينذاك: «عندما شعرنا بأنه لن يتفق على اتحاد تساعي، طلبنا أن يضم الاتحاد الإمارات السبع، وقلنا فليكن سباعياً، لأن المنطق والواقع يشيران إلى أن إمارات المنطقة كلها بيوت متجاورة». فيما لم ينقطع عطاء الشقيقين، حتى أيامهما الأخيرة، حيث كانا من أقطاب الإعلام العربي، بقيادتهما مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، التي تولى تريم عمران، رئاسة مجلس إدارتها حتى وفاته، رحمه الله.

ولد تريم عمران، في إمارة الشارقة عام 1942، وبدأ سنواته الدراسية الأولى في «مدرسة القاسمية» بمدينة الشارقة، ثم الدراسة الإعدادية في الشارقة أيضاً، قبل أن يرحل مع شقيقه عبدالله، إلى دولة الكويت، حيث درسا لمدة في ثانوية الشويخ، قبل العودة مرة أخرى مع مجموعة من طلاب العلم في إمارة الشارقة، إلى مدرسة القاسمية الثانوية، التي كانت منارة للعلم والحركة الطلابية في ذلك الوقت. ثم أكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ومن ثم عمل في ثانوية العروبة، فمديراً لمدرسة المعارف في الشارقة.
 وحينما كان تريم عمران، تلميذاً في «القاسمية»، لاحظ معلموه تمتعه بقوة الشخصية، وحسن التصرف في كل المواقف التي كان يتعرض لها، فضلاً على تفاعله مع الأحداث الجارية المحلية والعربية، من واقع قول أستاذه محمد دياب الموسى: «بدأت علاقتي مع الراحل، حينما كان تلميذاً، وكانت المدرسة القاسمية في خمسينات القرن الماضي، مركزاً حضارياً واجتماعياً، قبل أن تكون مدرسة تعليمية، تعلم طلابها حب الوطن، وتعلقهم بقيم دينهم. 
وكان الراحل يتميز بالوعي المبكر بقضايا وطنه وأمته، حيث كانت المدرسة تنظم مهرجانها السنوي الذي يضم فعاليات رياضية وفنية، وجاءني تريم عمران وقال لي: عندي تمثيلية ستعجبك، ونريد أن نقدمها في المهرجان. وعندما اطلعت عليها، ذهلت فقد كانت تمثيلية سياسية من النوع الثقيل، وإن اتخذت شكلاً أو قالباً ساخرين، حيث كانت تتحدث عن الاستعمار، والتخلف والهيمنة الأجنبية على المنطقة، ومخاطرها. 
وعندما عرضت المسرحية السياسية، حضر المعتمد البريطاني العرض، وفهم المغزى من عرضها، وأنها تبرز تعاطف الطلبة مع إخوانهم في مصر، ورفض الاحتلال، فانسحب من مشاهدة العرض قبل أن ينتهي، واستدعاني للتحقيق في دار الاعتماد، وطلب مني معاقبة الذين قاموا بهذا العمل «العدواني» على حد قوله، ولكني رفضت ذلك بإصرار».

1

الدراسة في القاهرة
أما حين التحق تريم عمران بالدراسة في جامعة القاهرة، فقد رأى القاهرة صاحبة مشروع حضاري تنويري عربي، دشنه الزعيم عبدالناصر مع بداية ثورة يوليو، لذا كان يشارك في المنتديات الفكرية والسياسية، ويتعرف إلى المنظمات الطلابية المصرية والعربية. وانحاز للخط القومي العربي، وتأثر بالرؤى الناصرية التي كانت تنادي بالاستقلال والوحدة، وفي المقابل عمل على تعريف المجتمع الطلابي المصري بمنطقة الخليج، حيث كان منخرطاً في النشاط الثقافي، والاجتماعي في الجامعة.
والمسيرة المهنية للراحل تريم، بدأت حينما اختاره المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، سفيراً للإمارات في جمهورية مصر العربية. وفي عام 1976 كان رئيساً لوفد الإمارات في الجامعة العربية، وعن هذه المرحلة، قال سيف سعيد بن ساعد، وكيل وزارة خارجية الإمارات سابقاً: «لقد عرفت المرحوم تريم عمران من قرب، عندما عملت إلى جانبه، وكان سفيراً للدولة في مصر، إبان قيام الدولة عام 1972، عرفته زميلاً وأخاً وأستاذاً. تعلمت منه الكثير في السياسة، والدبلوماسية، والعلاقات الاجتماعية وفن إتقان الحياة. وأتذكر أنه كان لا يفوّت أيّاً من اجتماعات الجامعة في مختلف أنشطتها، وكان من الديبلوماسيين الذين يتركون بصماتهم في كل مقترح، أو توصية، أو قرار يسهم في العمل العربي المشترك، أو يدعم التضامن العربي، أو يقوي العلاقات العربية في إطار الجامعة». 
عدا ذلك، كان الراحل تريم، عضواً مؤسساً في مُنتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي. كما عمل نائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية». وكان رئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، وعمل عضواً في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية. كما مارس العمل الدبلوماسي بكفاءة لمدة خمس سنوات.
رئيس «المجلس»
 وفي عام 1977، انتخب تريم عمران الذي كان يسكنه حلم الوحدة العربية، رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي، دورتين متتاليتين، وخلال تلك المرحلة، خرج بالنقاشات من التقليدية، والنمطية، والمناطقية، والشمولية والعمومية، من دون الجنوح للفردية. وكانت المذكرة المشتركة التي وضعها، وصاغ موادها، ومن أهمها مطلب توطيد أركان الاتحاد وتعزيزه، وناقشها المجلس، ولكونها من الأهمية بمكان، عقد لها مع مجلس الوزراء جلستين مشتركتين عام 1979. 

1

فيما من أبرز مطالباته، ووقفاته وقتذاك، التشديد على أن يكون للدولة دستور دائم، من دون تمديد ما كان موجوداً آنئذٍ. وبالفعل تحقق ذلك في وقت لاحق، فضلاً عن مطالبته بتوسيع الصلاحيات الاتحادية، وتقليص المحلية، على أن يعملا معاً لمصلحة الوطن والمواطن، بما في ذلك إصراره على أن تسري التشريعات الاتحادية، ومشروعات القوانين التي يجيزها المجلس، على كل أنحاء الدولة، إعمالاً لنصوص الدستور، الذي أعطى الاتحاد حق التشريع، وفي عام 1980 تفرغ تريم للعمل الصحفي رئيساً لمجلس إدارة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، التي أسسها مع شقيقه الدكتور عبدالله.
«الشروق» و«الخليج»
وتعد مرحلة التفكير في إصدار جريدة، ودخول معترك العمل الإعلامي، التي سبقت قيام الاتحاد، الأبرز في مسيرة الراحلين تريم وعبدالله عمران، لما رافقها من متاعب وصعاب، ومعضلات كان يمكن أن تعيقهما عن حلمهما الذي تحول إلى واقع، وأضحى هناك صرح إعلامي شامخ مشهود له بالتفرد، والتميز؛ وعن وصف المشهد الذي حدا بتريم وشقيقه للتفكير في إصدار أول جريدة سياسية، يقول تريم «كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمة وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي المتصف بالتجزئة والتفتت، الإنجليز قرروا الانسحاب والمنطقة مجزأة، وليس هناك كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، بينما شاه إيران لديه مطامع أعلن عنها، فكانت الدعوة إلى إقامة كيان قادر على مواجهة التحديات، والعمل على تحقيق وحدة المنطقة. كانت الأخطار كبيرة، والعمل المنظم شبه معدوم في منطقة تزداد أهميتها الاستراتيجية بعد تدفق النفط في أراضيها».
شهرية «الشروق»
وكانت الخطوة الأولى إصدار مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ثم اتجه الجهد نحو إصدار «الخليج»، أول جريدة سياسية، وعندما فكّرا في إصدار المطبوعة واجهتهما مشكلات عدة، فلم يكن لدى كل منهما سوى راتبه الذي لا يتجاوز 1500 درهم، ومن ثم لم يكن بمقدورهما تكبد خسائر، أو كلفة إصدار مطبوعة صحفية، ومع ذلك قرّرا مع صديقهما يوسف الحسن خوض التجربة، وتحقيق الهدف، ولأنه لم تكن في الشارقة والإمارات المتصالحة مطابع مؤهلة لذلك، قرروا التوجه إلى الكويت، وتم اختيار ناشر يدعى فجحان هلال المطيري، يمتلك مطبعة حديثة مع زوجته غنيمة المرزوق، التي تصدر مجلة أسرية تدعى «أسرتي»، وتعهد لهما بطباعة المجلة (وجريدة الخليج بعد ذلك) تحت الحساب. وكانت المادة الصحفية تكتب في الشارقة، وفي الأسبوع الأخير من كل شهر، يحملها تريم عمران ويوسف الحسن إلى الكويت، ويعودان بها مجلة مطبوعة، وجدت صدى طيباً من القراء لدى صدورها.
 بعد ذلك فكّرا في إصدار مطبوعة سياسية يومية تتصدى للمستجدات، والتحديات بالرسالة الوطنية ذاتها التي جاءت عليها «الشروق»، فكانت «الخليج» التي صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1970، ومثلها مثل «الشروق»، كانت تصدر بين الشارقة والكويت، حيث يتولى الصحفيون في الشارقة جمع الأخبار وتلقيها عبر الهاتف، ثم كتابتها، وتجهيز المادة في أحوال بالغة الصعوبة، وإرسالها إلى الكويت، وانتظارها صباح اليوم التالي، حيث كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت والشارقة.

1

 ومنذ صدورها الأول، خاضت «الخليج» حروباً مهنية وسياسية، حيث شعر أصحاب الصحف في الكويت بذلك «الوافد» والمنافس الجريء، فطالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصداره في بلادهم. كما خاضت الجريدة حرباً شرسة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، وتعرضت لضغوط عنيفة، بسبب إصرارها على عروبة الخليج، والجزر الإماراتية التي احتلت العنوان الرئيسي للجريدة غير مرة، وهو «لا تفريط في الجزر.. لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل»؛ وهي اللاءات الثلاث التي أزعجت الشاه، ودفعته إلى محاولة إغراء أصحاب «الخليج» بالمال، حيث كان يعلم بالمصاعب المادية التي يواجهونها، بسبب كلفة الإصدار في الكويت، وشحن الجريدة بالطائرة يومياً، ولكن مؤسسي «الخليج»، رفضوا العرض الإيراني السخي، وأصروا على استقلاليتها التي بدأت بها. 
ولم ترضِ جرأة «الخليج» المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة، الذي ألحّ أكثر من مرة على إغلاق الجريدة، على أساس أنها تفسد الجهود التي تبذلها بريطانيا آنذاك لحل مشكلة الجزر، فيما كان منزعجاً من خطاب «الخليج» القومي الذي يذهب أبعد بكثير من حدود الشارقة، إلى جميع الإمارات في الاتحاد والخليج، وكان يعي أن «الخليج» صدرت من أجل الخليج الموحد. كما طلب السير وليم لوس الوزير البريطاني، في اجتماعه إلى الدكتور عبدالله عمران إغلاق الصحيفة، والتوقف نهائياً عن الكتابة عن مفاوضات الجزر، فرفض. وكان رد أصحاب «الخليج» أن بريطانيا احتلت المنطقة زهاء 150 عاماً وجعلتها في طي النسيان، لا تعليم ولا صحة ولا أية خدمات، بينما عندما قررت الانسحاب تطلب كذلك، من أهلها السكوت عن جريمة ترتكبها، بتسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران.
اللبنة الأولى
 ومن كلمات تريم عمران عند وضع اللبنة الأولى لرسالة «الخليج»: من أجل الخليج.. كانت «الخليج»؛ يقول تريم «الذين يتجاهلون الجغرافيا ويتصورون الخليج كما تدل ظواهره، مجموعات بشرية لا روابط بينها – مخطئون.. ونظرة واحدة على هذا السطح المائي نرى أنه ربط بين كل المطلّين عليه بتاريخ مشترك، وعادات مشتركة، ومآسٍ مشتركة، وأفراح مشتركة. حتى الأمراض التي أورثتنا إياها أهوال الفاقة، نجدها متشابهة. وكل بشرة هنا دبغتها الأملاح، وكل القلوب عرفت لوعة الذاهبين بلا عودة، ولهذا كانت هذه التجربة. إنها حنين للعودة إلى المخاض المشترك، والميلاد المشترك، و«الخليج» جاءت ليقرأها عرب الخليج على الامتداد نفسه في اللحظة نفسها.. الفكرة صعبة جداً، ولكنها جديرة بالمشقة، لأنها حنين للارتباط القديم الجديد الأبدي.. إنها جريدة لخليج موحد، رغم الحدود والمسافات».
سنحرث الأرض
 ويضيف تريم «سنحرث الأرض لنبدأ من تحت، من الجذور العميقة، نتحاور ونتجادل، نختلف، ولا مانع، ولكن لنسلّم بأننا جميعاً كيان واحد كان، ولا بدّ له أن يكون، وأن وحدتنا، ولا شيء غير وحدتنا هي ضمان بقائنا، وبقاء الأرض راسخة تحت أقدامنا وغير قابلة للانسحاب. وهي ليست وحدة غاية لذاتها، بل هي وحدة الجدار، حتى يتكامل البيت، الأمل، في وحدة أشمل».
 وبعد ذلك، وبسبب الكلفة الاقتصادية العالية لإصدار «الشروق» و«الخليج» معاً من الكويت، ولإصرار تريم عمران وشقيقه على ضرورة الاستقلال التام بمشروعهما الصحفي، عن شبهات التمويل غير المعروف، كان من الصعب الاستمرار في ظل الضغوط السياسية العنيفة، فكان أن توقفت «الخليج» و«الشروق»، بعد عام ونيف من المغامرة، وعند نقطة مفصلية هي بداية دولة الاتحاد التي ظلّا يدعوان إليها. 
وحينذاك كلف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عبدالله عمران بتولي وزارة العدل، ثم التربية.

1

قفزة في التعليم مع الصحوة القومية 

كان تريم عمران شديد الاعتزاز بدور مدارس المنطقة إبّان الاحتلال البريطاني، ومن كلماته في خطاب ألقاه بمناسبة تكريم رواد التعليم، قوله: كانت هناك قفزة في التعليم جاءت مع الصحوة القومية الكبرى، على امتداد الوطن العربي كله في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وكانت المدرسة شعلة من الحماسة لهذه الصحوة، وعندما فتحت المدارس، وجاء المدرسون بجهود أشقاء عرب، كانت هذه شهادة على تقصير المستعمر، وإمعانه في إهمال المنطقة، كما كانت شاهداً على الارتباط بين العلم والتحرر، وقد دفعت منطقتنا الثمن مضاعفاً، فلم يكتف البريطانيون في إرساء قاعدة «فرّق تسُد»، وفي وضع الألغام الحدودية الموقوتة في المنطقة فحسب، إنما كان لهم في جنوب الخليج كله، سياسة مضادة للتعليم والثقافة، منسجمة مع موقفهم في سد سبل التطور التنموي كافة، وكان المعتمد البريطاني هو المشرف على تنفيذ هذه السياسة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"