الردع الاستباقي

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

مر خبر بدء الإمارات تسيير رحلات دعم لوجيستي لعمليات مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، خاصة دول الساحل، دون اهتمام كبير. ذلك على الرغم من أنه تطور في غاية الأهمية على صعيد مكافحة الإرهاب، ليس فقط في إفريقيا ولكن أيضاً ضمن استراتيجية ردع استباقي قبل أن يعزز الإرهابيون مواقعهم في القارة السمراء وعبر البحر إلى الخليج ربما بما هو أكثر وأخطر مما كان عليه تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. والحقيقة أن الإمارات والسعودية تدركان أهمية مواجهة تعاظم خطر الإرهاب في إفريقيا منذ سنوات. وكانت الدولتان من المسارعين لدعم جهود الحملة الفرنسية في دول الساحل والصحراء. وقدمت السعودية في عام 2017 نحو مئة مليون دولار، وقدمت الإمارات نحو 30 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الإرهاب هناك. كان ذلك قبل أن يستفحل الخطر الإرهابي في الدول الخمس: مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو ونيجيريا، حيث شكلت فرنسا قوة من نحو خمسة آلاف عسكري لمساعدة تلك الدول على مواجهة الجماعات المرتبطة ب «القاعدة» و«داعش».

  حاولت فرنسا إقناع دول الاتحاد الأوروبي بالمشاركة في جهد مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، لكن الأوروبيين ترددوا غير مدركين لهذا الخطر عليهم فيما بعد إذا حقق الإرهابيون هدفهم وامتدوا من ليبيا إلى شمال القارة وجنوب الصحراء، مستفيدين من ثروات النفط والغاز ومناجم الذهب ليشكلوا خطراً مباشراً على أوروبا عبر المتوسط . ومنذ تدمير قدرات تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، تم نقل أغلب الإرهابيين من هناك  إلى ليبيا التي كانت نقطة تجميع للإرهابيين من شمال إفريقيا والدول العربية.

  لهذا كان الموقف السعودي الإماراتي حاسماً منذ البداية فيما يتعلق بالوضع في ليبيا، باعتباره يشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي لدول الخليج. ورغم التوصل لاتفاقيات تسوية سياسية في ليبيا مؤخراً، إلا أن الجماعات الإرهابية التي نقلت إليها بالإضافة إلى جماعات الإخوان وغيرها من الإرهاب المحلي ما زالت نشطة وترفد الجماعات الإرهابية ليس في منطقة الساحل والصحراء فحسب؛ بل في إفريقيا الوسطى ومنطقة القرن الإفريقي وساحل إفريقيا الشرقي حتى موزمبيق جنوباً.

  وما زال الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريس يحذر من خطر وجود الإرهابيين في ليبيا حتى الآن، وآخر تقدير للأمم المتحدة أن هناك عشرين ألف إرهابي على الأقل هناك منهم سوريون وعرب وأوروبيون وآسيويون. وبما أن ليبيا ما زالت ساحة مفتوحة؛ فالجماعات الناشطة الموالية ل«القاعدة» و«داعش» من بوكو حرام في نيجيريا إلى الشباب في الصومال إلى القاعدة في بلاد المغرب تزداد عنفاً وقدرة على التدمير والتخريب. لكن إفريقيا لن تكون النهاية، حتى لو سيطرت على مناطق ثروة – كما هو الحال مع حقول الغاز في موزمبيق والنفط في نيجيريا ومناجم الذهب في مالي وبوركينا فاسو. إنما الهدف الأهم لتلك الجماعات هو منطقتنا، ودول الخليج في المقدمة بلا شك.

  أهمية الدعم الإماراتي لعمليات مكافحة الإرهاب في دول الساحل، بالإضافة طبعاً إلى اتساقه مع الاستراتيجية الإماراتية للردع الاستباقي لهذا الخطر على الإنسانية كلها وعلى أمن الخليج بالخصوص، تأتي من أنه جاء في وقت يتراجع فيه الجهد الأمريكي هناك. فقد رفضت الولايات المتحدة مؤخراً طلب رئيس نيجيريا نقل قيادة القوات الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم) من ألمانيا إلى إفريقيا. وبررت واشنطن ذلك بالكلفة العالية والمخاطر الزائدة.   

     وسبق وخفضت واشنطن في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عمليات الطائرات بدون طيار من قاعدة أفريكوم في النيجر، والتي كانت تصل عملياتها إلى استهداف الإرهابيين جنوب غرب ليبيا. وكان المبرر أيضاً مالياً، إذ قال ترامب وقتها إن تلك العمليات تكلف نحو مئة مليون دولار.

  تلك المبررات تخاطر بأن يدفع العالم كلفة بالمليارات وليس بالملايين إذا ترك التغلغل الإرهابي في إفريقيا حتى يتجاوز ما وصلت إليه «داعش» في العراق واحتاجت إلى تحالف من أربعين دولة لمواجهته. ولا يتعلق الأمر بمسألة انتشار الخطر الإرهابي ليطال دول شمال إفريقيا كالجزائر والمغرب ويمتد مهدداً مصر ومستغلاً فوضى اليمن ليستهدف دول الخليج، إنما هناك خطر مباشر وشيك على خطوط الملاحة الدولية والتجارة العالمية. فقد بدأت مراكز غربية كثيرة تحذر من تحول موزمبيق إلى بؤرة قرصنة بحرية مثلما كانت الصومال في وقت ما. وإذا كان هناك قصر نظر لدى الغرب بشأن خطر الإرهاب في إفريقيا لأنها لا ترى تهديداً آنيّاً لمصالح اقتصادية ليست بالكبيرة في إفريقيا، فإن على دول المنطقة الانتباه لحماية أمنها القومي بدرء خطر الإرهاب بمكافحته قبل أن يستفحل حتى لو بدا بعيداً مكانياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"