ثمن انتصارات الوهم

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

كل المؤشرات كانت تؤكد أن المواجهة الدامية التي تفجرت بين «إسرائيل» والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة كان المقرر لها أن تنتهي من المنظور «الإسرائيلي» يوم الأحد الماضي، لكنها استمرت على أمل تحقيق انتصار يمكن أن يوظف سياسياً في محاولة مستميتة لإنقاذ صورة الحكومة  من ناحية، وللحيلولة دون تمكين الفصائل من فرض شروطها لوقف القتال من ناحية أخرى، وهي شروط يمكن أن تؤدي في حالة الاضطرار للقبول بها، إلى أزمة بخصوص المشروع الإسرائيلي كله.

 يوم الأحد الماضي فشل المجلس الوزاري المصغر«الكابينت» في اتخاذ قرار بوقف العملية القتالية ضد قطاع غزة التي أعطيت اسم «حارس الأسوار» بسبب تعنت بنيامين نتنياهو وبيني جانتس وزير الحرب وإصرارهما على مواصلة عملية التدمير في القطاع لإجبار الفصائل على وقف القتال بضغوط من الرأي العام، من دون أن تقدم إسرائيل شيئاً، فيما حذر قادة كبار في الجيش من أن «إسرائيل قد تدفع ثمناً باهظاً في حال استمرار العملية، وقد تخاطر بمناورة برية لا يريد أحد دخولها».

 هذا التعنت لم يأت من فراغ، ولكنه جاء وكما فهمته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من طموح نتنياهو تحقيق انتصار يمكنه من إعادة تشكيل الحكومة الجديدة التي سبق أن فشل في تشكيلها، لذلك جاء تعليق الصحيفة على هذا الطموح بالقول:«لا تنتظروا صورة انتصار». ودعم هذا الاستنتاج المحلل العسكري رون بن يشاي، وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية، في مقال نشره على موقع (YNET) التابع للصحيفة نفسها، الذي حاول تبرير انتكاسات إسرائيل في حربها على غزة بأنها فوجئت بأنها مضطرة للحرب على أربع جبهات في وقت واحد (مع غزة وفي الضفة وفي الداخل والاستعداد لحرب في الشمال، لكنه خلص إلى القول بأن حسابات المعركة على الصعيد العسكري مازالت رهن تطورات العملية العسكرية إلى أن تتوقف، أما على الصعيد السياسي فكان توقعه «أن تتآكل السلعة المسماة بالشرعية». لكن الأخطر هو المردود النفسي للخسائر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

 فعلى الرغم من التعتيم الإعلامي على الخسائر البشرية والمادية من تلك الحرب الدامية، وهو التعتيم الذي دفع رون بن يشايى التشاؤم وقوله «يبدو أننا سنعرف النتائج الحقيقية لعملية الجيش الإسرائيلي فقط في غضون عامين»، إلا أن بعض النتائج باتت معلومة ومؤكدة بعد أن طالت الصواريخ أهم المرافق الإسرائيلية من مطارات وموانئ، خاصة مطار بن جوريون بالقرب من تل أبيب وميناء أسدود الذي يدخل عبره 60 في المئة من الواردات الإسرائيلية من الخارج، وتعرض المدينة لقصف صاروخي مركّز باعتبارها من أهم المراكز الصناعية، ووصول القصف إلى منطقة «غوش دان» ضاحية تل أبيب وذات الكثافة السكانية العالية والتي تعتبر من أهم المراكز المالية والتجارية، إضافة إلى توقف محطة الغاز في البحر المتوسط بعد أن تعرضت للقصف، وهذا معناه خسائر يومية تقدر ب 10 ملايين دولار، وتوقف أكثر من 50 شركة طيران، ووقوع خسائر كبيرة لمصنع الكيماويات، ووصول القصف إلى كافة المناطق الإسرائيلية شمالاً وجنوباً.

 هذه الخسائر المادية لا تقارن بالخسائر المعنوية التي ستعجل بيوم الحساب بين «الإسرائيليين» والطبقة السياسية الحاكمة وخاصة تيار اليمين المتشدد وعلى رأسه تكتل الليكود وحلفائه الذين دفعوا بإسرائيل نحو«خيارات انتحارية» بإصرارهم على التمادي في مخطط الضم والتهويد للقدس والأقصى والضفة الغربية. 

 وإذا كان الإسرائيليون قد فوجئوا ببنك الأهداف الفلسطيني ونوعيته وأنواع الصواريخ وأحجامها ومداياتها فإنهم صدموا بأنهم اضطروا لخوض الحرب على أرضهم، وتعريض الجبهة الداخلية لمخاطر غير مسبوقة.

 إذا أضفنا إلى ذلك ما أدت إليه هذه الحرب من تحريك الفلسطينيين المقيمين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 للانخراط في حراك شعبي واسع دفاعاً عن القدس، ودفع الفلسطينيين في الضفة الغربية لتجاوز كل قيود أوسلو والتنسيق الأمني، والاندفاع في هبات قد تؤول إلى تفجير انتفاضة شعبية جديدة تعم كل فلسطين من الضفة والقدس إلى الداخل الإسرائيلي إلى قطاع غزة، فإن ما يمكن أن تجد إسرائيل نفسها مضطرة لدفعه ثمناً لصورة الانتصار الوهمية التي تريدها الحكومة سيكون مروعاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"