الوسواس

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

وفق الإجراءات المطبقة حالياً في المراكز الصحية، ثمة طاولة عند مدخل كل مركز من هذه المراكز، يجلس خلفها ممرض أو ممرضة، لقياس درجة حرارة كل مراجع، وسؤاله عما إذا كان يعاني أعراضاً تندرج في خانة أعراض «كورونا»، كي يتخذ حياله ما يلزم من إجراءات، وتجنب اختلاطه مع بقية المراجعين.
صديق لي قصد، قبل أيام، أحد هذه المراكز الواقع في منطقته السكنية، في متابعة روتينية، وحين اقترب من الممرضة المكلفة بالمهمة المشار إليها أعلاه سألته، بعد أن اطمأنت إلى أن درجة حرارته طبيعية، عما إذا كان يحسّ بأعراض أخرى، فصدمها بالجواب التالي: نعم أحس بأعراض الوسواس.
أربك جوابه الممرضة، فقالت له بشيء من الفضول والقلق: «ماذا تقصد بأعراض الوسواس»؟ أجابها مازحاً: كلما سعلت لأي سبب، أو شعرت بألم عارض في الرأس، أو بشيء من الضيق في الصدر، خفت أن أكون أصبت ب«كورونا»، ولم ينس أن يضيف: لا أتردد في أن أرش شيئاً من العطر على يدي لأختبر حاسة الشم عندي، فإذا شممت ما رششت، اطمأننت، ولو قليلاً، أنني بخير.
والوسواس، مفرد الوساوس، وهو القلق الناجم عن أي أضطراب أو خوف، وقد يتطور عند البعض إلى ما يصفونه في الطب النفسي بالوسواس القهري، الذي يجعل المصاب به في وضع من الاضطراب، لأن ذهنه يظل مسكوناً بصور وأفكار سوداوية، وهمية في الأغلب، ولكنه يخالها حقيقية.
وفي القرآن الكريم جاء في سورة «الناس» قوله تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»، وفي أحد التفاسير قيل إن الفعل وسوس يعني: «تحدّث بحديث خفي غير مسموع، والخنّاس اسم أيضاً مشتق من الفعل «خنس» الذي يعني خفي واستتر»، والراجح أن المقصود في هذه الآية القرآنية هو الشيطان الرجيم، تحذيراً من غواياته للإنسان.
لكن وساوس «كورونا» التي تحدث عنها الصديق حديثاً، هي مزيج من جدٍ وهزل، مختلفة عن تلك المقصودة في الآية الكريمة، فهو يعبّر عن حالة عامة شائعة لدى الجميع، ومن دون استثناء، بمن فيهم المكابرون في الإقرار بخطورة الوباء، وبضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير لحماية أنفسهم والآخرين من شرّه الفتاك، لأن استمرار الوباء أوقعنا، من حيث شئنا أم لم نشأ، في دوامة الوساوس هذه، عسى الله أن يجلو هذه الغمة بأسرع وقت، وأن نعود إلى مألوف حياتنا، نتصرف بعفوية كما كنا، طلقاء من «فوبيا» الوباء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"