الحراك العراقي والانتخابات

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

وضعت الاغتيالات التي طالت نشطاء عراقيين جنوبي البلاد، مؤخراً، الحراك الشعبي أمام خيارين أحلاهما مر، إما مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة في العاشر من أكتوبر المقبل، أو مواجهة الجماعات المسلحة عبر الانخراط فيها وتحمّل التبعات المترتبة على ذلك، وفي مقدمتها مواجهة حلقة جديدة من مسلسل الاغتيالات الذي تنفذه جهات خارج سيطرة الدولة، وبالتالي خوض الانتخابات في ظل بيئة غير آمنة، على الرغم من وعود الحكومة المتكررة بتوفيرها.
مقاطعة الانتخابات باتت خياراً شبه مؤكد، بعدما أعلنت أغلبية قوى الحراك أنها لن تقاطع الاقتراع فحسب، وإنما ستعمل على استقطاب الشارع لرفضه وتوسيع هذا الرفض باستقطاب النقابات والمجتمع الأكاديمي، على أن يطرح خيار المقاطعة سبيلاً لتأجيل الانتخابات؛ ذلك أن المقاطعة، تعني  في النهاية  استسلاماً لإرهاب الجماعات المسلحة، وترك الساحة أمام القوى التقليدية التي تسعى لإعادة إنتاج نفسها وحصد مزيد من المقاعد الانتخابية، وهي تصّر الآن وتتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، لكن قوى الحراك تغامر أيضاً بمواجهة مفتوحة مع الجماعات المسلحة التي تبدي استعدادها، بدورها، لتوسيع هذه المواجهة، بما يحمله ذلك من ترهيب وتفعيل قوائم الاغتيالات للنشطاء والقوى المجتمعية المطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد والإصلاح، والتي كانت تسعى إلى إيصال مرشحيها إلى البرلمان كجزء من كفاحها لإحداث التغيير المنشود. 
ربما تعطي المقاطعة، حكومة الكاظمي متسعاً من الوقت لالتقاط الأنفاس عبر تجنب مزيد من عمليات الاغتيال، لكنها في الوقت نفسه تسبب حرجاً كبيراً للكاظمي وحكومته التي حاولت، طوال الشهور الماضية، التكيف مع مطالب الحراك والمحتجين العراقيين، إلى الحد الذي اعتبرت فيه نفسها نتاجاً لهذا الحراك، وأن طرحها لانتخابات تشريعية حرة ونزيهة ومستقلة يمثل أحد المطالب الأساسية ل«ثورة تشرين»، فكيف يستقيم الحال مع مقاطعة قوى الحراك للانتخابات؟. 
والأسوأ هو أن الحكومة التي شكلت كثيراً من لجان التحقيق، ووعدت مراراً بملاحقة قتلة الناشطين ومنفذي عمليات الاغتيال، وضبط السلاح المنفلت، وإنهاء الجماعات الخارجة على القانون، وإعادة هيبة الدولة، وغير ذلك، ولم تحقق أي من ذلك؛ بل على العكس، فإن سطوة هذه الجماعات ازدادت خطورة، فيما اختفى القرار الأمني السيادي، وتُرك الأمر لقيادات تتعاطف مع الجماعات المسلحة، ما يعني أن النظام السياسي القائم، بدوره، استسلم لهذه الجماعات، وأنه لم تعد هناك بيئة آمنة لإجراء الانتخابات، مهما حاول هذا النظام وأجهزته الأمنية التستر على ذلك.
بين هذين الخيارين، هناك من يراهن على خيار ثالث، وهو تأجيل الانتخابات، من دون مواربة، كالحديث عن إلغائها أو مقاطعتها، وهذا الخيار قد يكون الأكثر مواءمة للجميع باستثناء القوى التقليدية؛ إذ ما الفائدة من إجراء انتخابات تعيد تكريس هيمنة القوى الفاسدة في معظمها، أو «تشرعن» الجماعات المسلحة والخارجة على القانون، وذلك إلى حين توفير ظروف آمنة حقيقية ترفع الحرج عن النظام القائم وتتيح للقوى المجتمعية التعبير عن رأيها بحرية تامة، والمشاركة في انتخابات تنافسية، من المؤكد  حينئذ  أنها ستحقق نجاحاً كبيراً على طريق التغيير المنشود.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"