تغيّر سياسي أمريكي حذر

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

يجمع كثير من الكتّاب والصحفيين والمحللين السياسيين، على أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أجرى تغييراً على الموقف الأمريكي تجاه الفلسطينيين، وذلك بفضل ما أسموه ب «التياراليساري» في الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس)، وذلك مقارنةً بما سبقه من معظم الرؤساء، وبخاصة سلفه الرئيس دونالد ترامب، الذي وضع كلّ البيض الأمريكي في سلّة «إسرائيل»، فالرئيس بايدن يتحدث عن أهمية حلّ الدولتين، وحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وأن الولايات المتحدة ستدعمهم أمنياً واقتصادياً، وكذلك فعل وزير خارجيته بلينكن، وهذه نغمة جديدة نسمعها من رئيس أمريكي على رأس السلطة.
 ويجمع كثير من المراقبين على أن المنطقة العربية بصدد تحولات جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، وأن التيار اليساري في الحزب الديمقراطي يضغط على الرئيس جو بايدن لعدم التساهل المجاني مع «إسرائيل» مستقبلاً، وإعادة النظر في التعامل مع الحق الفلسطيني.
 وكانت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب قد دعت في خطاب لها أمام الكونجرس الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ موقف حازم ضد «إسرائيل»، وطالبته بإنهاء الدعم لها، وذلك حين قالت: «لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في منح الحكومة اليمينية المليارات سنوياً لارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، وأنه لا يمكن التسامح مع الفظائع التي ترتكبها مثل قصف المدارس والأبراج السكنية الآهلة بالسكّان بأسلحة قدمتها لها الولايات المتحدة».
 كذلك، فإن مقال رأي كتبه السيناتور بيرني ساندرز في صحيفة «نيويورك تايمز» وتم توزيعه على نطاق واسع، سلّط فيه الضوء على الواقع المأساوي العميق لحياة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار والاحتلال، وأشار إلى «الخراب الذي أحدثته حشود من المتطرفين الإسرائيليين في القدس، وكذلك المحاولات الإسرائيلية القانونية المشكوك فيها لإجلاء السكان الفلسطينيين بالقوة من أحد أحياء المدينة المقّدسة والمتنازع عليها».
 من جهتها،فإن صحيفة «الجارديان» البريطانية، تخالف وجهة نظر الرئيس بايدن، ففي عددها الصادر يوم (الجمعة 21 مارس/آذار الماضي) نشرت على صدر صفحتها الأولى مقالة جاء فيها: «إن هذه الحرب لن تكون الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإنه من دون حلّ سياسي نهائي وشامل سيعود العنف مراراً وتكرارا إلى المنطقة»، واعتبرت أنه «بعد أربع حروب خلال 13 عاماً، وفي صراع واحد تخللته فترات متقطعة من الهدوء، ظلّت الحال بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كما هي بالرغم مما نقلته عن العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين عن شعورهم بالضجر بشأن حروب تتكرّر ولا تنتهي». وأضافت: «لقد ترددت هذه المشاعر مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، حتى بين الفلسطينيين الذين احتفلوا به كنصر لهم، فقد أجمع هؤلاء على أن النتيجة الأكثر ترجيحاً لوقف العنف ستكون بالعودة إلى الوضع كما كان في السابق، فإسرائيل ترفض الاعتراف بأيّ من الحقوق الفلسطينية». 
 بالطبع، فإن العبرة في الخواتيم (وفقاً للمقولة الشكسبيرية) فالوعود تظلّ وعوداً، ما لم يجرِ تنفيذ حقيقي لها. لقد سمعنا وعوداً كثيرة من رؤساء أمريكيين سابقين، وبخاصة الرئيس جورج بوش الإبن الذي سبق وأن حدّد عام 2005 موعداً لإقامة الدولة الفلسطينية. كذلك الأمر تكرّر مع الرئيس باراك أوباما، ومن قبل مع الرئيس كلينتون، لكنّ الرؤساء الثلاثة ذهبوا، ولم يجرِ تنفيذ وعودهم.
 من جانب آخر، فإن من الصعوبة بمكان، أن ينفّذ الرئيس بايدن وعوده لعوامل عديدة أبرزها مدى التأثير الكبير للّوبي اليهودي في الولايات المتحدّة ، ونفوذه داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي (وإن كان تأثيره الفعلي في الحزب الثاني أقلّ من الأوّل)، ثمّ علينا التذكّر دوماً بطيبعة الحاكم الفعلي للولايات المتحدّة وهو المجمّع الصناعي العسكري الذي سبق أن حذّر من نفوذه الرئيس دوايت أيزنهاور في خطبته الوداعية للأمّة الأمريكية عام 1961، الذي تطوّر بشكل هائل بعد الحرب العالمية الثانية، فلهذا المجمّع مصالحه الرأسمالية المتمثلة في إذكاء الحروب في مناطق مختلفة من العالم وبيع الأطراف السّلاح الأمريكي، ومن ضمنها الشرق الأوسط بالطبع. 
 لكلّ هذه الأسباب، ونظراً للتجارب السابقة مع رؤساء أمريكيين عديدين حاولوا إظهار التعاطف مع الحقوق الفلسطينية، سيكون من الصعب على الرئيس بايدن تنفيذ وعوده بالنسبة لحقوق شعبنا الوطنية، على أنه يتوجّب علينا مراقبة تنفيذ وعود بايدن التي نأمل أن تجد تنفيذاً لها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"