عادي

تهديد لفظي

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق
محكمة
المحكمة

كتب: أمير السني 
تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
(ق.أ) تم تعيينه في وظيفة إدارية في إحدى مجموعات الشركات العقارية، وكان يمارس مهامه منذ أول يوم في عمله، ويحرص على أن يلتزم في عمله، وأن يحضر إلى المكتب منذ الصباح الباكر، وهو يعمل في قسم شؤون الموظفين، حيث يقوم برصد الحضور والغياب ويراجع (ماكنية البصمة) الموجودة على باب الشركة، ويتابع خلالها حركة الموظفين والعمال والسائقين، وهي مهمة صعبة إذ إن الشركة فيها دوام صباحي ومسائي، وتعج بالعاملين الذين يسجلون حضوراً في الشركة ويتهجون بعدها إلى مواقع العمل التي تشرف عليها المجموعة، فهي تمتلك العديد من مشاريع البناء الكبرى، وفيها أعداد كبيرة من الموظفين والعمال تقوم بتسجيل الحضور والذهاب إلى تلك المواقع، ثم العودة إلى الشركة لتسجيل نهاية الدوام.
 كان (ق.أ) يتسلم الأذونات التي يقدمها العاملون في حال أصيب العامل في إحدى المواقع، وطُلبت منه الراحة، إلى جانب أذونات الموظفين الآخرين، ويقوم بإعداد تقارير يومية يرفعها إلى الإدارة، وفي فترة الظهر يعود إلى مسكنه ليرتاح ويتناول الغداء، ثم يعود إلى عمله في فترة الدوام الثاني، وظل يؤدي مهامه بنشاط وحيوية ويحاول ألّا يقصر في عمله أمام رؤسائه، وخاصة رئيسه المباشر الذي لم يرق له ولم يشعر بارتياح تجاهه، وعلى الرغم من محاولة تنفيذ توجيهاته، كان يطلب منه المزيد من العمل، ويشعره بأنه مقصر في أدائه وعليه الاجتهاد.
وفي أحد الأيام حضر (ق.أ) إلى مكتبه، ووجد رئيس القسم في انتظاره وسأله عن التقرير اليومي فأخبره بأنه يعمل على إعداده لكن رئيسه في العمل اتهمه بأنه غير ملتزم في تسليم التقرير في ميعاده، وبأن هنالك أخطاء في مراجعة كشوف خروج العمال نهاية الدوام، لكن (ق.أ) أصر على أن تقريره الذي يسلمه صحيح، وطلب من رئيسه الجلوس معه ليراجع تلك الأخطاء التي تحدث عنها، إلا أن رئيسه رفض الجلوس معه بحجة إنه مشغول حالياً، وقال له إنه سيجلس معه مرة أخرى، مشدداً على دعوته إلى أن ينتبه إلى عمله.
وبدأ (ق.أ) يتضايق من تصرفات رئيسه في العمل وشعر بأنه بات يعامله معاملة سيئة من دون أسباب واضحة، وقرر أن يسد أية ثغرة يمكن أن تجعل رئيسه في العمل يوبخه أو يجد فرصة لمحاسبته، وصار يراجع تقاريره قبل التسليم، ورغم محاولاته في تحسين صورته أمام رئيسه كان الأخير لا يزال يعامله معاملة سيئة، بل إنه لايجد منه ارتياحاً حينما يقابله، وناقش (ق.أ) مع زملائه تلك العلاقة السيئة وفشله في إصلاحها، حيث أخبر زميلاً له بأنه يريد أن ينتقل إلى قسم آخر حتى يبتعد عن رئيسه الذي ينظر إليه نظرات سلبية، ويعامله معاملة قاسية من دون أسباب، ونصحه زميله بألا يلتفت إليه لأن هذه طريقته في التعامل مع العاملين ولن تتغير، وأن ما يحدث من تصرفات تجاهه لاتعني أنه يستهدفه لأن الكثير من الموظفين يعاملهم المعاملة ذاتها.
بعد حديث زميله تراجع (ق.أ) عن قراره بطلب تحويله إلى قسم آخر وسحب طلبه الذي أعده وكان سيقدمه إلى شؤون الموظفين، ورأى ألا يلتفت إلى ذلك التعامل السيء من رئيسه في القسم، ومرت أسابيع عدة، وهو لايزال يتجاهل التعليقات المستفزة والأوامر الجافة والصوت العالي الذي يطلقه رئيسه، وفي يوم لم يتحمل (ق.أ) تلك الاستفزازات بعد أن طلب منه رئيسه إعادة تسليم التقرير الذي سلمه له بحجة إن هنالك أخطاء ورد عليه (ق.أ) بأن تلك الأخطاء بسيطة ويكن تداركها من دون كتابة التقرير من جديد، لكن رئيسه أصر ولم يكتف بذلك، بل صرخ في وجهه وانهال عليه بكلمات جارحة مثل «انك كسول، ومهمل، وغير مكترث بالعمل» محاولاً أن يقارنه مع بقية زملائه مشيراً إلى أنهم «أفضل» منه، وهنا لم يتحمل (ق.أ) تلك الاستفزازات الصادرة من رئيسه وهاجمه بأن أمسك بقبضة يده  قبة قميص رئيسه قائلاً له: « إن تحدثت معي مرة ثانية بهذه الطريقة ستندم».
اعتبر رئيس القسم كلام (ق.أ)  تهديداً شخصياً له ، واتجه مباشرة إلى قسم الشرطة ، حيث فتح بلاغاً جنائياً في مواجهة (ق.أ)، وبعد سماع الشهود وهما اثنان من زملائه في العمل حضرا الحادثة، قررت النيابة تحويله إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على سلامة الجسد والتهديد اللفظي، وقررت المحكمة تغريم (ق.أ) 3 آلاف درهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"