بريق الكتاب

22:36 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يفتح معرض أبوظبي للكتاب أبوابه محتفلاً بدورته الثلاثين، مستضيفاً العالم في العاصمة الإماراتية المتباهية بتاريخ طويل من الاحتفاء بالكتب. وكما كانت معارض الكتب دعامة أساسية في النشر لا تزال كذلك في صناعة الثقافة إضافة إلى كونها التجمع المثالي للناشرين والوكلاء والموزعين وتجار التجزئة، والملتقى الإبداعي لمحبي الكلمة والمؤلفين الذين يستقبلون المعرض بأحضان الشوق رغم جوائح الزمن وظروف الحياة ومفاجآتها القاسية.

وكما وقف عشاق الكلمة في الإمارات طوال عقود على منصة واحدة مع كتاب رهنوا حياتهم للكلمة، يتطلع المؤلفون للقاء معجبيهم وتعزيز علاقات أقوى مع الناس والناشرين، وإلى فعالية تتحدى تقليص الفعاليات والأنشطة في جميع أنحاء العالم، وتبرهن على أن معارض الكتب ليست مجرد معارض بقدر ما هي حدث رئيسي يصعب تفويتها.

لقد واجهت معارض الكتب أكثر من تحدٍّ عالمي بداية من سيناريوهات التخلي عن الكتاب الورقي، ومرت صناعة نشر الكتب بعدة أعوام مملوءة بالتحديات مع ظهور الكتب الرقمية والقراء الإلكترونيين، وكان على الناشرين إعادة النظر في نماذج أعمالهم والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للتعويض عما قد يمنع المعارض من البقاء، لكنها ظلت مزدهرة وتقام في مواعيدها، لأن الكتاب معيار الثقافة، والكلمة ثروة المثقف وأهمية المعرض تتعلق بمحتواه من الكتب والناس واللقاءات، وما تبرم خلاله من عقود تأليف أو نشر أو ترجمة لتدفع التغييرات معارض الكتب إلى الأمام وتخلق أسواقًا جديدة للقراء والناشرين وليس العكس.

ويتيح المعرض فرصة للمثقف الحقيقي والذي لا تشبع نهمه الثقافة عن بعد ولا يكفيه أن يسمع عن مؤلف ولا يحاوره ويطمح للتجول بين الأرفف العامرة بالكتب رغم كل ما يقال عن انهيار بورصة الكتاب الورقي ، ويزيد فرص الناشرين لعرض قوائم كتبهم على طريقتين سواء في المعرض أو على الإنترنت ويتيح للمؤلفين إصدار كتب جديدة، فمعارض الكتاب يمكن تطويرها وتحسين صورتها، ولكن لا يمكن التخلي عنها أو عن إقامتها مهما حدث.

ووضعت الإمارات معارض الكتب على خارطة الثقافة،  لتثبت بأن الثقافة هي مفهومها الواعي لمعنى تنمية المجتمع، وبأن إبراز أهمية الكتاب والدعوة المستمرة إلى النهوض بالقراءة دورها الذي لم تتخل عنه يوماً لتحسين حياة الناس ورفع مستوى طموحاتهم، وقيمها التي تغرسها مع كل حدث وفعالية ومناسبة لتجسيد معاني التعايش والتسامح والتفاهم وضرورة الانفتاح على ثقافات العالم وتسهيل حضورها للجميع.

لقد تمكن النشر الرقمي من تغيير أسلوب تعاطي الناس مع الكلمة المكتوبة ومع القراءة والكتاب نفسه، لكنه لم يتمكن من إخماد بريق معارض الكتب أو سلبها جاذبيتها في مجال صناعة الكتاب، بعد تحولها في الإمارات إلى نشاط جماعي ومصنع لثقافة المجتمع وبذرة لكل عنصر من عناصر تنميته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"