من النكبة الممتدة إلى الدولة

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تأتي ذكرى النكبة الثالثة والسبعين، لتجدد نفسها ثانية في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة، ومارست خلالها كل أشكال القوة من تدمير للمنازل والأبراج ، وتدمير للبنية التحتية، وهدفها طمس الهوية الوطنية والدفع بهجرة أخرى. ويبدو أن إسرائيل لم تقرأ جيداً سمات وهوية الشعب الفلسطيني، وصموده، وتجذره في أرضه، حيث نجح الشعب الفلسطيني في غزة والقدس، وفي اللد والرملة وحيفا وعكا، ومدن الضفة الغربية، في أن يرسل رسالته بأنه صاحب حق على أرضه، وبأنه لا سبيل ولا بديل إلا الاعتراف بهذه الحق.

   إسرائيل حاولت التخلص من القضية الفلسطينية بكل الوسائل، من الحرب والحصار والاعتقال، ومحاولة تهجير سكان الشيخ جراح، وضم الأراضي، وبناء المستوطنات، لكنها فشلت، وبقيت القضية الفلسطينية حيّة. والحرب الأخيرة على غزة أحيت القضية الفلسطينية من جديد، وأعادتها إلى أجندة الاهتمام الإقليمي والدولي، وأوصلت كل الدول المعنية، خصوصا الولايات المتحدة، إلى قناعة بأنه لا سلام ولا استقرار من دون حل القضية الفلسطينية، وأن السلام لن يكتمل من دون قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. فالحرب على غزة أكدت للعالم أن هناك شعباً محاصراً وتحت الاحتلال، وأن هناك دولة محتلة، وأن هذه الإشكالية حان الوقت لحلها بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية .

  والنكبة هذا العام تثير تساؤلات كثيرة حول أسبابها وتطوراتها ومستقبل القضية الفلسطينية، وجاءت الحرب على غزة لتستحضر هذه النكبة بكل تجلياتها. لقد أعادت التذكير بأن هناك مخيمات يعيش فيها ملايين اللاجئين من دون حقوق، وهذه المخيمات يمكن أن تتحول إلى قنبلة متفجرة في كل اتجاه. ومن هنا قد نرى يقظة عالمية، وحراكاً ملحّاً للعمل على حل للقضية الفلسطينية يراعي الحقوق التي ينتهكها الاحتلال كل يوم.

   إن النزاعات الدولية المركّبة والممتده، كالقضية الفلسطينية تتطور خصائصها الذاتية ودينامياتها الداخلية عبر الزمن، وهذه الديناميات تضمن لها البقاء والاستمرارية. 

   كان يمكن أن نتصور نهاية للقضية الفلسطينية قبل عقود من الآن، لكن قوة الشعب الفلسطيني في الحفاظ على هويته وتراثه، وبناء المؤسسات التمثيلية والنضالية، والحفاظ على هويته الوطنية، ساهمت في بقاء القضية الفلسطينية حية، فإسرائيل لم تنجح في تشتيت الشعب الفلسطيني، بل زادته صموداً وتمسكاً بأرضه، وأبرزت أهم عناصر قوته وهو عنصر وحدته في الداخل والخارج، وهنا قوة الشعب الفلسطيني التي ينبغي الحفاظ عليها فلسطينيا، والعمل على إنهاء الانقسام وتفعيل مؤسساته السياسية التمثيلية وتطوير أدواته النضالية، والعمل بقوة على جعل القضية الفلسطينية قضية عدالة وحقوق سياسية، وتحميل العالم كله مسؤولية إنهاء الاحتلال، وفرض العقوبات على إسرائيل من خلال الكشف عن صورتها الحقيقية أمام العالم، بأنها دولة توسعية وليست دولة ديمقراطية .إن من شأن هذا النموذج أن يحوّل المنطقة كلها إلى حالة من عدم الاستقرار والعنف والتشدد والتطرف. إن عنصر الوقت مهم جدا في الاستفادة من نتائج الحرب بما يحقق الأهداف الفلسطينية، وعلى الجانب الفلسطيني أن يدرك أن هذا هو الوقت المناسب للمصالحة، وانتزاع حقوقه السياسية، فدرجة التعاطف الدولي والتحولات في البيئة العربية والإقليمية والأمريكية تمنح الفلسطينيين الفرصة التاريخية لتحقيق ما فشلوا في تحقيقه عبر العقود الماضية، والخطوة الأولى تكون بانهاء الانقسام وتفعيل وتجديد شرعية المؤسسات، والتوافق والاتفاق على الخيارات والمقاربات الفلسطينية، ومن دون ذلك ستدخل القضية الفلسطينية آخر مراحلها من التفكيك والتصفية، وهذه المرة فلسطينياً، وهي أعلى درجات تفكيك النزاعات المركّبة الممتدة.

  وتبقى القضية الفلسطينية مسؤولية فلسطينية ومسؤولية قيادتها، فلا يمكن لهذا الشعب أن يعيش في نكبة ممتدة وحروب مستمرة.  

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"